قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Saturday, September 9, 2017

وازن الأرواح



شاهدت مؤخرًا فيلم (21 جرامًا) الذي قام ببطولته شون بن مع ناعومي واتس وأخرجه إيناريتو،  وهو فيلم آخر معقد من الأفلام غير ذات السرد الخطي، أي أنك على الأرجح لابد من أن تشاهده مرتين.   يظل الفيلم (21 جرامًا) غامضًا حتى النهاية عندما تعرف القصة كاملة وتعرف سبب الاسم الغريب، وقد افترض الكثيرون أن الاسم يشير إلى المخدرات، لكنه في الحقيقة يشير إلى وزن الروح طبقًا للمقولة الشهيرة إن من يمت يفقد 21 جرامًا!

إن 21 جرامًا هو وزن الطائر الطنان وقطعة الشيكولاتة (حسب المقاييس الأمريكية)، لكن بطل الفيلم يؤمن في لحظات احتضاره بأن هذا كذلك وزن الروح. هذه المعلومة الغريبة مصدرها طبيب أمريكي غريب الأطوار اسمه (دنكان ماكدوجال).


في أوائل القرن العشرين كان ماكدوجال جراحًا محترمًا من ماساتشوستس ، حاول أن يخضع الدين للعلم.. وقد آمن بأن الروح تحتل حيزًا من الفراغ دعك من أنها خفيفة جدًا لهذا تطفو بعد الموت. قام عام 1907 بوزن ستة محتضرين عن طريق وضعهم على أسرة متصلة بميزان حساس. ولاحظ فارق الوزن قبل وبعد الموت الذي افترض أنه وزن الروح. أربعة كانوا مرضى درن وواحد كان يموت من مضاعفات السكر وواحد بسبب مجهول. مزية الموت بالدرن هي أنها ميتة هادئة.. وهذا يساعد في التسجيل.. المريض لا يتحرك تقريبًا.. الميتة بطيئة لذا يكون الأطباء منتظرين للموت قبل ساعات من حدوثه. شاهد هذا الفيلم عن التجربة هنا

أجرى تجارب مماثلة على الكلاب لكنه لم يلحظ أي اختلاف في الوزن عليها. هكذا افترض أن الروح لها وزن وأن الكلاب لا روح لها.

ترى من هؤلاء المرضى؟.. وكيف سمح أقاربهم بإجراء هذه التجربة أثناء احتضارهم؟

لا تعتبر هذه التجارب ذات قيمة علمية ما، لكنها استقرت في الوعي الجماهيري الغربي. وهي ليست جديدة على كل حال؛ ففي العام 1854 تساءل عالم الفسيولوجي رودلف فاجنر عن مادة الروح الخاصة، لكن أيًا من علماء الفسيولوجي الخمسمائة الجالسين لم يرد عليه. بل إن التجربة أقدم من هذا، والدليل هو فردريك الثاني ملك صقلية في القرن الثالث عشر، الذي حبس رجلاً في تابوت حتى مات ليتأكد من أن الروح لن تبقى معه. وقد أطعم رجلين على العشاء وأرسل أحدهما لينام وأرسل الآخر في رحلة صيد. ثم في نهاية الأمسية انتزع أحشاءهما ليزنها وليرى أيهما هضم الطعام أفضل.. هي تجارب مسلية لكنها بالتأكيد لا تحظى بإعجاب علمي كبير، وغير إنسانية على الإطلاق.

يعتقد العلماء أن نقص الوزن في تجارب ماكدوجال نتج عن البخر عبر الجلد وعبر هواء الزفير. قال ماكدوجال في بحثه إنه راعى هذه النقطة وقدر معدل التبخر بـجزء من ستين من الأوقية في الدقيقة، بينما المريض فقد ثلاثة أرباع أوقية في ثلاث ثوان. حتى إفراغ المثانة غير وارد لأن البول أو البراز بقي على الفراش محتفظًا بوزنه.

رأى بعض الأطباء أن العرق الذي يتبخر من الجلد هو السبب مع ما يصاحبه من ارتفاع درجة حرارة الدم، بينما الكلاب لا تعرق لأنها تلهث. فقدان العرق غير المحسوس insensible perspiration مصطلح ابتكره طبيب من بادوا اسمه (سانكتوريوس) عام 1690. وقد جرب أن يحبس نفسه في زنزانة فوق ميزان، ومعه دلو يتخلص فيه من فضلاته، وقد لاحظ أن وزن الزنزانة ينقص باستمرار. وقد قدر أن كمية الفقد هي ثلاثة أرباع أوقية في الساعة.. وهو رقم يفوق ما لاحظه ماكدوجال ثلاث مرات. ثم إن عينة الأخير صغيرة جدًا ولا تسمح باستخلاص نتائج إحصائية.. 


على كل حال نشرت النيويورك تايمز البحث كاملاً، ثم قالت إن دونكان ينوي بدء مجموعة أبحاث يقوم فيها بتصوير الروح. وكانت جامعة بنسلفانيا في هذه الفترة تجري تجارب بأشعة رونتجن تهدف إلى تصوير الروح، والفكرة هي أن الروح سوف تجعل العظام أقل عتامة في فيلم الأشعة. أي إنها ستبدو أكثر تألقًا ووضوحًا.

من الغريب أن المعتقد الشائع حتى ذلك الوقت هو أن الجسم يثقل بعد الوفاة ولا يخف وزنه. هذا هو ما يطلقون عليه (الوزن الميت)، وهو ملحوظ حتى مع الأطراف المبتورة التي يندهش الناس لمدى ثقلها عندما يمسكون بها. هذه ظاهرة خادعة أيضًا تنجم عن أن كل جسم حي يقاوم الجاذبية بشكل ما ولو كان طفيفًا. عند الموت تنعدم هذه المقاومة.

توفي ماكدوجال عام 1920، ومن الواضح أنه لم يملك روحًا علمية تجعله يطلب ممن حوله أن يزنوا جسده أثناء الاحتضار.

لم يترك ماكدوجال علامة مهمة في العلم، لكنه ترك علامات على الثقافة الشعبية في الغرب.

يصف إحدى تجاربه على مريض درن رئوي محتضر، فيقول: "ظل المريض تحت الملاحظة ثلاث ساعات وأربعين دقيقة قبل الوفاة. وكان على فراش أعد إطاره ليرتكز على ميزان دقيق. تأكدنا من راحته برغم حالته المتدهورة. بدأ يفقد الوزن بمعدل أوقية كل ساعة بفعل البخر والزفير. عند نهاية المدة سقط الميزان بصوت مسموع واستقر، وقد قدرنا مقدار الوزن الذي فقد بثلاثة أرباع أوقية. وهذا الفقد لا يمكن تفسيره بالبخر لأننا تحسبنا لهذا، كما إنه حدث فجأة.. كان ميزاني حساسًا لدرجة عشري أوقية، وهذا يعني أنه قادر على قياس أوزان أقل مما وجدناه."

لا يرى البعض أن هذا هراء محض، ففي عام 1998 نشر من يدعى دونالد جلبرت كاربنتر كتابًا اسمه (وزن الروح فيزيائيًا)، وقال إن سبب عدم تسجيل وزن للكلاب هو أن روحها خفيفة لا تقدر الموازين العادية على قياسها.  قام بحسابات معقدة لإيجاد نسبة وزن الروح إلى الجسد وقت الولادة ووجد أنها 1: 140.. ووجد أن وزن روح الكلب لا يتجاوز 1,8 جرام.. قال كذلك إن هناك حجمًا للروح قام بقياسه (لا أعرف كيف) ثم توصل إلى أن هذا الحجم يتناسب مع حجم الجسد، فإذا زادت الروح عن الجسد برزت للخارج على شكل هالة!..

آخر ما صارت إليه التجربة هو طبيب أمريكي يرغب في أن يزن الحامل بدقة في الوقت الذي يكتسب فيه الجنين الروح، من ثم يلاحظ زيادة الوزن، وهو يحاول العثور على تمويل لمشروعه هذا.

إن الروح معنى خارق أثيري يتحدى الصفات والمقاييس الفيزيائية، وإلا لأمكن أن نقول يومًا ما إن الكبرياء طولها كذا وعرضها كذا، وإن الشجاعة وزنها كذا. دعك من اللا إنسانية الواضحة في هذه التجارب حيث يتحول إنسان محتضر إلى فأر تجارب.

هذه تجربة غريبة لكن يجب ألا نخلط بين غرابة التجربة وبين قيمة نتائجها.. وعندما نتكلم عنها هنا فنحن لا نعني أن وزن الروح 21 جرامًا، ولكننا نعني أن طبيبًا شبه مخبول قام بمحاولة البرهنة على هذا.