قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Tuesday, March 21, 2017

حكاية للأطفال فقط - 6 - الأخيرة


رسوم الفنان طارق عزام

هكذا لم أتناول غدائي من المكرونة والدجاج كالعادة، وإنما عدت لشقتي الخالية. واسعة جدًا هذه الشقق، ولا تناسب الأشخاص الوحيدين.. عبير ليست هنا.. أم أنها ميادة هي التي ليست هنا؟ لابد أن موعد اليوم كان مع ميادة لكنها اعتذرت.. لا بأس. لا أملك المزاج الرائق للنساء بصراحة.

بدلت ثيابي وأعددت لنفسي بعض الشاي المثلج بطعم التوت، ثم جلست في الصالة الواسعة وفتحت اللاب توب.. لست معتادًا بصراحة على الكتابة هنا. البيت للفتيات والعبث فقط، أما الكتابة فمكانها الوحيد هو الكافيه.. لكني مضطر لذلك.

على قدر ما أفهمه فأنا قد أوجدت كابوسًا. كتبت قصة مسلية لكنها تتحقق بشكل مخيف. أمس كتبت خطابًا لجاري الطبيب النفسي مصطفى أحكي فيه كل شيء، على أنني أغلقته ووضعته في مغلف أكبر، ثم كتبت وريقة صغيرة أطلب منه ألا يفتح الخطاب إلا لو حدث لي شيء، شيء مثل ماذا؟ لا أدري

لكن نظرة  نازدار تلك جمدت الدم في عروقي.. لقد تجاوز الأمر حدود المنطق ليتلمس جوانب الخوارق.

لقد حان الوقت لإنهاء هذه القصة بطريقة قاسية بعض الشيء. سأكتب…………..

7- شادي

نظرت لساعتي وقدرت أن الوقت قد حان.

كانت السكين في جيبي، وزجاجة المنوم.. وكان قلبي يتواثب كالطبل من التوتر. لكني سأفعلها.. أعرف أنني سأفعلها. كمال صديق عمري وقريبي معي وهو يؤمن بما سأفعله ويثق في.

كانت الساعة الثامنة مساء.. لا بأس.. هذا موعد مناسب للناس كي يفتحوا الأبواب مطمئنين للطارقين. ألقيت نظرة على الدرج القديم المتسخ.. لا يوجد شهود ولا توجد كاميرات. أنت تعرف أن كل مكان في العالم يعج بالكاميرات اليوم. دق الجرس فسمعت من يتحرك بالداخل…

«من؟»

صوت رجل…

«أنا زميل فيروز!»

الكلمة السحرية.. الأسرة التي تفتش عن ابنتها.. سوف يفتحون الباب بالتأكيد..

سمعت صوت المزلاج ينفتح ثم ظهر رجل مسن يلبس منامة وقد تدلت عويناته على أنفه، وهو حافي القدمين.. عيناه تتساءلان عن اسمينا وغرضنا من المجيء..

«ما الذي………؟»

هنا كنت قد أزحت الباب بقوة، واندفعت للداخل، وقبل أن يفهم كنت قد وضعت قطعة القماش المبللة على أنفه وكتمت أنفاسي.. نم أيها الرجل الطيب.. نم.. لا أحد يريد منك شيئًا..

تكوم على الأرض…..

هنا اندفع كمال إلى داخل الشقة، وظهرت تلك الفتاة قادمة من الداخل. لعلها رافان أو نازدار لا أدري، قادمة من الداخل.. ارتجفت وأنا أرى تلك النظرة المخيفة في عينيها.. هذه ليست نظرة كائن بشري بل شيطان…

قبل أن تفعل شيئًا هوى كمال على جذور عنقها بسيف يد فتكومت أرضًا…

ثم سمعنا صوت الفحيح.. لقد كانت الأخت الثالثة قادمة. لابد أن هذه نازدار نفسها فهي أكثرهن قسوة وتوحشًا. كانت تنقض علي واللعاب يسيل من فمها..

الأخوات إمبوسي.. الآن فقط أعرف أن الأسطورة حقيقية.. لقد فعلنا الشيء الصحيح.

كانت قادمة كالعقاب نحو كمال وظهرها لي، فجريت نحوها ووضعت نفس الخرقة المبللة على أنفها وأنا أكتم تنفسي.. لابد أن رائحة الكلوروفورم خانقة يمكن شمها من الشارع…

قاومت قليلاً.. توقعت مقاومة شنيعة من أكبر الأخوات إمبوسي لكنها انهارت بسرعة وتهاوت كالكيس الفارغ على الأرض..

ثلاثة أجساد ممددة على الأرض.. خرجت لخارج الشقة وأخذت شهيقًا عميقًا لأن رأسي بدأ يدور، وكذا فعل كمال.. ثم أشرت له كي نكمل ما بدأناه..

سنجز عنق الفتاتين ونرحل.. بالتأكيد سوف يموت الأب بنوبة قلبية عندما يفيق ويدرك ما حدث لبناته الثلاث، لكننا لن نحمل دمه على أكفنا.. سوف تكون جريمة بشعة تتسابق الصحف على نشر تفاصيلها، لكنهم لن يعرفوا أنني قمت بأسمى عمل ممكن للبشرية..

قلت لكمال همسًا وأنا ألوح بالسكين:
- «هيا ننته.. لا تلوث يدك بالــ..»

8- جودت

كنت أكتب بسرعة جنونية..

وحدي في الشقة أمام شاشة اللاب توب وبقايا الكابوتشينو يتصاعد منها الدخان..

سوف يتم ذبح الأختين الآن ويفر شادي مع صاحبه، وقد قضيا على هذا الكابوس. لو كانت تصوراتي صحيحة وكنت أنا من يخلق هذه الكوابيس، فلسوف تموت الفتاتان فعلاً في عالم الواقع.. هناك من سيجد جثتيهما المذبوحتين غدًا وبعد أيام سيجدون فيروز..

لا أجد حلاً آخر، فقد برهنت هذه القصة على أن خيالي حي أكثر من اللازم. ثمة شيء ما يتعلق بهذه اللعنة جعلها تتحقق على يدي.. لا أريد أن تطاردني شخصيات قصصي المخيفة.

أشعلت لفافة تبغ، وطقطقت أصابعي ثم بدأت أصف مشهد شادي وهو يلف شعر نازدار المخدرة على كفه ويرفع السكين باليد الأخرى متأهبًا للـ..

ثمة شيء يتحرك في داخل الشقة..

من أين تأتي تيارات الهواء هذه؟

بسرعة.. لننه مشهد القتل، لا أعرف السبب لكني أشعر بأنني لست وحدي. صوت همسات في الغرفة الداخلية.. لو أردنا الدقة لقلنا إنه صوت امرأتين تتكلمان.

إن أعصابي مرهقة. لا شك في هذا..

هل أسمع صوت خطوات من خلفي؟ بالتأكيد هي العصبية المعتادة..

إن مشهد القتل سوف يستغرق عدة أسطر.. بعدها أتحرر من الخوف..

فقط علي أن………………………………………

علي أن…………………………………

9- دكتور مصطفى

جودت قد مات.

مؤلف السينما متوسط النجاح الذي يعيش وحيدًا قد وجدوه ميتًا في شقته. جثة ممزقة بشناعة.. كان يكتب سيناريو فيلم جديد ولم يكمله. لن أندهش على كل حال، فهؤلاء القوم يعيشون حياة ماجنة صاخبة.. لا بد أن تكون نهايتهم دامية.

من قتله؟ لا أحد يعرف….

لن يجدوه أبدًا. كل هذه القصص تنتهي بشكل مماثل..

اسمي د. مصطفى الخراط.. أستاذ الطب النفسي بكلية طب (…)، وعيادتي قريبة جدًا من شقة هذا الجودت..

على أنني فتحت الخطاب الذي تركه لي لسبب مجهول، فوجدته يتكلم عن مواضيع عجيبة. لقد كان مجنونًا بشكل تام. تصور – الأحمق – أن خيالاته تخرج لعالم الواقع، وأن شخصيات قصته المرعبة تحيط به. لم يذكر أسماء في الخطاب لكنه تكلم عن ثلاثة شياطين جاءت من بلاد ما بين النهرين.. إلخ..

إن هؤلاء المبدعين يعانون حالة متفاقمة من تداخل الواقع والخيال..

ذكرتني حالته بفتاة تتردد على عيادتي منذ فترة، وتقول إنها شيطانة مهمتها قتل الأطفال الرضع. اسمها غريب حقًا.. نازدار. أظن أنك لم تسمع هذا الاسم قط في حياتك. هي من أجمل من رأيت في حياتي بالمناسبة.

أمس جاءتني هذه الفتاة، وقالت إنها لا تتحسن.. أحيانًا تشعر بأنها فكرة في خيال مؤلف مخبول..

ضحكت كثيرًا لهذا الفكرة، فسألتني في براءة:
ـ «هل يمكن للشخصية القصصية أن تظل موجودة بعد رحيل مؤلفها؟ بل هل يمكن أن تقضي عليه لتعيش هي؟»

بدا لي هذا كله سخيفًا وصارحتها برأيي… جميلة لكنها مخبولة تمامًا، ولا أعتقد أن لدي من الوسائل ما يشفيها…

قلت لها:
- «الحياة خاضعة لقوانين فيزيائية صارمة. هذه الأفكار البلهاء لا تتفق مع الواقع. دعكِ من أن حكاية الشياطين التي تلتهم الأطفال الرضع هي نفسها حكاية للأطفال.. ألا ترين هذا معي؟».

تمّت