قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Thursday, March 12, 2015

بين المستشفى ولوزان



في المستشفى والممرضات يهرعن ليوزعن العلاج على المرضى في الصباح الباكر. اصح يا عم حمزة. موعد العلاج. اصحي يا حاجة فتحية. موعد الحقنة. يعرفن أنهن لن يتلقين تقديرًا ماديًا أو معنويًا من أي نوع. دائمًا يتهمهم الأطباء بالإهمال ويتهمهم أهل المرضى بانعدام الضمير. برغم هذا يعملن كالنحل لأنهن لا يعرفن لأنفسهن دورًا آخر. ممرضة المختبر تهرع حاملة المحقن وأنابيب الاختبار. يجب أن تأخذ العينات سريعًا وإلا لرفض فني المختبر أن يأخذها ولسوف يعاقبها الطبيب.

عامل القسم (شعبان) قام مع العاملة بنقل اسطوانة الأكسجين الجديدة، ثم نقل صناديق الدواء الثقيلة كلها للطابق الثالث، وبعد هذا كان المريض ينتظره في الحمام ليجري له حقنة شرجية. صحيح أن أهل المريض يعطونه ثلاثة جنيهات مع كل حقنة، لكن يحدث كثيرًا أن يكون المريض وحيدًا ولا يعي ما يدور من حوله بسبب الغيبوبة الكبدية. لكن (شعبان) سيفعل هذا لأنه عمله ببساطة. 

في نفس الوقت في ذلك الفندق الفاخر في سويسرا، جلس أعضاء مهرجان السرديات العاشر يلتهمون طعام الإفطار وهم يطلون على بحيرة لوزان. ما زال بعضهم يترنح من الخمر التي شربها من الميني بار ليلاً. لكنهم يعرفون قيمتهم جيدًا ولا يخدعون بسهولة. إدارة المهرجان سوف تتحمل النفقات كلها، شاملة الفندق والسفر بالدرجة الأولى والمكالمات الدولية من الغرف والخمور التي يستهلكونها. مهمتهم اليوم ليست يسيرة. عليهم أن يؤلفوا خارطة تمزج بين المدينة المحلية والكوزموبوليتانية، مع حل مشكلة الحضارة من وجهة النظر الضيقة النابعة من ثالوث الأرض والسماء والتراب. كان الناقد سيد الششماوي من مصر ينوي إلقاء ورقة بحثية عن مرجعية السرد في أدب سيد أبودومة وعلاقته ببروست. هنا تبرز أهمية الميتا سرد والبنية الابستمولوجية التي تعبر عن الاغتراب. سوف يدخلون في مناقشات مرهقة حتى موعد الغداء ثم يخلدون للراحة استعدادًا للمعركة التي ستبدأ في المساء بين الصقالبة وهواة التجديد. إن المحكي الأركيولوجي قد يتباين مع الميتا سرد وعلاقته بالآخر. هذه نقطة خطرة سوف يفجرونها الليلة وبعدها يعود كل منهم لغرفته ليعاقر الخمر كي يزيل عناء اليوم. بعضهم سوف يعاني الصداع ومن ثم يخرج في جولة في شوارع المدينة، أو يريح إرهاقه الفكري بين أحضان حورية سويسرية.

غدًا سوف تلقي الشاعرة نيروز القرندهيلي قصيدتها الرائعة (أثباج الحيازيم) وهي ثورة جديدة في الميتا سرد. وسوف يناقش الموجودون إرهاصات الحداثة في شعرها. بعد هذا سيطير الجميع ليقابلوا بعضهم في مهرجان أدبي آخر في الريفييرا الفرنسية. هؤلاء القوم يشبهون سحرة القبيلة ورجال الدين النصابين. لا يجيدون شيئًا ومن ثم يصنعون مهنة لا وجود لها ويكسبون منها الكثير. 
لكن الممرضات ما زلن يوزعن العلاج. (شعبان) العامل ما زال يكنس الأرض. الفني في المختبر ما زال يفحص العينات ويشخط في الممرضات.

سوف يستمر هذا إلى يوم القيامة. 

بعدها سوف يقف الجميع أمام العرش. سيقول العامل شعبان في فخر: "يا رب أنا عملت حقنًا شرجية لنصف مليون مريض كبد، وحملت الأدوية على كتفي ثلاثين عاما، ونقلت ألفي مريض للآشعة و. و. و. مقابل ملاليم". 
ستقول الممرضة: "يارب. أنا أعطيت العلاج لربع مليون مريض. وأخذت عينات دم وبول من نصف هذا العدد". 
ثم يأتي الناقد الكبير سيد الششماوي ليقول: "يارب ناقشنا علاقة الميتا سرد بالمحكي الأركيولوجي. وتحدثنا عن المدينة الكوزموبوليتانية. كما ناقشنا أشعار نيروز القرندهيلي". 

ترى من الذي قدم خدمات أعظم للبشرية؟ وهل صارت الإنسانية أفضل بالميتا سرد؟

هناك دومًا حلول وسط، وهناك أدب مفيد للبشرية فعلاً، لكنه يتحرك على حبل رفيع ويسهل أن يسقط في هاوية التحذلق والكوزموبوليتانية والإرهاصات الفوقعية. عندها لن يتردد المرء كثيرًا كي يختار المعسكر الذي ينضم له. إنه ليس على ضفاف بحيرة لوزان بالتأكيد