والآن أقدم لك العم بسيونى ..
سوف تعرفه على الفور متى رأيته من بعيد، بقذاله الغليظ المشحم والكرش العملاق الذى ينزلق السروال تحته دائمًا. الكرش الوحيد الذى يبدأ من الفخذ على قدر علمي. ستعرفه من السعال المتواصل، ومن ثيابه التى يحرص على أن تجعله يبدو عاملاً بأى شكل. السويتر الرخيص المفتوح. على الرأس عمامة يتدلى من طرفها شال أبيض قصير، وحول العنق تلفيعة فلسطينية. مهما كان الجو باردًا فهو يلبس الشبشب الذى تطل منه أظفار متآكلة متشققة.
العم بسيونى سائق حافلة، وهو رجل طيب فعلاً يحبه الجميع، حتى عندما يتوقف بالحافلة أمام اول عربة فول ليشترى لوازم الإفطار، وينتقي أفضل البصل وأفضل أرغفة الخبز وهو يتلمظ، بينما الموظفون فى الحافلة يوشكون على الإصابة بنوبة قلبية لأنهم تأخروا على الدفتر.
يحبونه حتى عندما يبصق بصقته العملاقة التى تشبه دلوًا يسكبه على الأرض. يحبونه حتى عندما يطلق السباب البذيء من النافذة الجانبية لأن ولدًا رقيعًا تجاوزه بسيارته. وفى المساء يذهب للمقهى ليجلس مع أصدقاء العمر يلتهمون لحم الراس أو الكفتة ويدخنون المعسل. حتى كلمة معسّل ينطقها محسّل .. ويخرج حرف الحاء من أعماق رئته فيسعل سعالاً شديدًا. كأن الكلمة فى حد ذاتها كافية للسعال.
الكل يعرف أن عم بسيونى يحب الحشيش جدًا. ما زالوا يقبلون هذا من الرجل، مع ملاحظة ان تعاطى الحشيش لم يعد له ذات الصيت المرعب الذى كنا نراه فى الأفلام القديمة. الرجل يريد عمل دماغ كأن دماغه هى دماغ إنريكو فيرمى مثلاً. فقط الحشيش يجعله ينسى ما هو فيه من بؤس .. وينسى ما ينتظره فى البيت والغد من هموم .. ويعطيه – هكذا يتخيل – بعض القدرة على البقاء رجلاً أمام زوجته.