قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Tuesday, January 14, 2014

ألعاب الحرب



كنت أشاهد لقطات من الأخبار على شاشة التلفزيون، وقد تركز معظمها على لقطات من العالم العربى ..

تتنقل الكاميرا من مكان لآخر فى هذه البقعة التعسة .. هناك دائمًا قصف وهاون ومدافع آر بى جى .. هناك دبابات محترقة ومسلحون يتبادلون الطلقات بالكلاشنكوف من وراء جدران مدرسة. جماعات ملثمة تشق الشارع .. جثث ملقاة إلى جانب الطريق وكلها مكبلة الأيدى إلى الظهور مما يدل على أنها كانت عملية إعدام جماعى. نفس المشاهد سواء كنت فى اليمن أو ليبيا أو العراق أو سوريا .. هناك سيارات يتم توقيفها وخطف من فيها .. هناك احتمال لا بأس به أن تجد جثث المخطوفين المذبوحة بعد أيام ولا تعرف السبب، فلو كانوا قد أكلوا بعض أجزاء منها لصار الأمر مفهومًا نوعًا، وربما أدعى للتعاطف.

لماذا يقتلون بعضهم فى العراق حقًا؟.. ألم يكتف هذا البلد التعس من الألم والدم منذ عام 2003؟.. بل قبل ذلك منذ حربى الخليج. ألم يحق له أن يظفر ببعض الراحة؟.. وهل يمكن أن تسمع عن يوم لا تنفجر فيه خمس سيارات فى سوق كذا وحسينية كذا؟.. متى يذهب الطلاب للمدارس؟ تحاول جاهدًا فهم مشكلة شيوخ العشائر مع المالكى، وكل طرف يعد بأنه سيبيد الطرف الآخر. ترى الملثمين يقذفون الصواريخ لتسقط فوق مواطنيهم .. أبناء جلدتهم، ومع كل صاروخ ينطلق يهللون ويرقصون فرحًا بهذا الدمار. هل كان صدام بهذا السوء حقًا؟ لو جاء كائن من المريخ إلى الأرض ورأى ما يحدث اليوم لاعتبر صدام قديسًا .. القبضة القوية التى أبقت غطاء البالوعة مغلقًا كل ذلك الوقت.

ما الوضع فى سوريا فعلاً؟.. كانت القصة واضحة، واللون الأسود والأبيض متضادين واضحين. لكن لماذا ساد هذا الضباب كل شىء؟. لم يعد العالم يرى سوى حرب أهلية طائفية متشابكة ومعقدة. لا يوجد شيء واضح سوى الخراب فى كل مكان، وسوى الأسر السورية التى تحاول أن تبقى أطفالها أحياء فى العراء وسط الثلوج .. كم مرة رأيت صفوف الأطفال المكفنة المتراصة جوار جدار وقد أغلقت عيونهم لآخر مرة؟ هل ما زال هذا المشهد يبكيك؟

ماذا يحدث فى اليمن؟.. هل تفهم فعلاً مشكلة الحوثيين؟.. هل هم يفهمونها؟.. تشاهد الصور فترى فتيانًا أقرب لسن المراهقة بالمئزر اليمنى الشهير، وكل منهم يلوح بالكلاشنكوف فرحًا فخورًا .. ولو فهمت هذا فما مشكلة الثورة الليبية حقًا؟... لماذا ينفجر الجميع هناك فى كل لحظة؟

صحيح أن جنوب السودان انفصل، لكنى لا أستطيع التخلص من فكرة أنه جزء من الجسد العربى، فما قصة المذابح التى تدور هناك؟.. مش انفصلتم خلاص وساد الهدوء وعم المرح؟

فى كل ركن من العالم العربى هناك أناس تقتل بعضها بلا سبب واضح، وهناك قتال عرقى، وهناك قتال من أجل تطبيق الشريعة، وهناك ذلك الصراع الذى طال 1400 عامًا بين السنة والشيعة دون أن يحسم أبدًا، هناك قتال من أجل السلطة، وقتال من أجل الانتقام، وقتال من أجل تأكيد الهوية، وقتال بسلطة الكولسلو والمايونيز .. هناك قتال كومبو مع عرض التوفير المبهر.

يجب أن تنتج الدول المتقدمة تلفزيونات للعالم العربى خصيصًا، مزودة بشريط الحداد الأسود . هذا يوفر النفقات نوعًا ..

إنه مهرجان إضاعة عمرك وعمر الآخرين من أبناء وطنك .. وفى النهاية يتوقع كل طرف أن الجنة تنتظره، بينما الله تعالى خلق الإنسان ليعمر الأرض ويملأها سلامًا وتقدمًا ... ليس الهدف من خلق الإنسان أن يطلق قذائف الهاون من وراء جدار.

فى كل ركن يقف حشد من المسلحين الملثمين الذين يلبسون الشباشب ويلوحون بالكلاشنكوف ويهتفون (الله أكبر)، ثم يلوح كبيرهم بإصبعه فى وجه الكاميرا، مؤكدًا أنهم بعون الله سوف يستولون على بلدة (سكسوكة كسرى) أو (عين الأعور) قريبًا جدًا .. بعد يومين تستعيدها قوات ملثمة أخرى تلبس بنفس الطريقة، ويهلل المسلحون ذوو الشباشب (الله أكبر) وهم يطلقون النار فى الهواء أيضَا.

ماذا تريدون بالضبط؟

كل العالم يتحرك، وكل العالم يبحث عن غد أفضل، لكن العرب لا يريدون سوى الاستمتاع بالقتال وإطلاق الرصاص للأبد. عندما تحرك المؤشر لقنوات أخرى ترى عواصف ثلجية فى أمريكا .. مظاهرات فى أوكرانيا .. احتفالات رأس السنة فى إنجلترا .. إلخ .... أخبار ... أشياء غير القتل ..

يخيل لى أننا كعرب نحمل غدة مهمتها القضاء على الآخر واستئصاله وذبحه وحرقه .. هرمونات كراهية. هذه الغدة نائمة معظم الوقت لكنها تصحو فى ظروف معينة وتلتهم كل شىء فى الشخص. من أمثلة استيقاظ هذه الغدة مباراة الجزائر وحوادث العنف الطائفى وما يحدث اليوم فى كل ركن من العالم العربى .. هذه الغدة لا تهمد إلا بالدم ولا تصغى لأى منطق عقلانى ..

لقد تجمد العرب عند مرحلة الطفولة .. مرحلة اللعب بالسلاح والبنادق وتبادل الطلقات. حتى على مستوى الحكومات الدكتاتورية تشعر أن الحكام أطفال يستمتعون جدًا بلعبة الحرب ولبس بدلة ضابط فى العيد. هل تذكر أزياء القذافى يرحمه الله؟.. هذه شعوب لا تريد أن تعيش أبدًا ..

كانت عندى قاعدة لا تخيب هى أن تقدم البلد وتحضره يتناسبان عكسيًا مع فخامة الحرس الجمهورى له. لهذا ترى الحرس الجمهورى الإسرائيلى بثياب عملية ينقصها الهندام، وتشعر أنهم كانوا منهمكين فى القتال عندما استدعوهم للمطار لاستقبال هذا الضيف أو ذاك.

السبب كذلك هو أن الهدم أمتع من البناء بكثير. النضال المسلح لقب فاخر وفى الوقت نفسه لا يكلفك جهدًا كالتدريس أو الدراسة أو الاختراع أو الحسابات الهندسية أو زرع الأرض القاحلة . لا أسخر من النضال المسلح طبعًا، ولكن من المهم أن تعرف هو نضال من أجل ماذا ولأى غاية .. والأهم: ضد من؟؟؟؟ من العدو؟؟؟

منذ متى كانت آخر طلقة أطلقت على العدو الإسرائيلى؟. الحقيقة إن إسرائيل محظوظة لدرجة لا تصدق، وحسابات يهود العالم للتجمع فى فلسطين هى أذكى حسابات فى التاريخ. ما كانوا ليظفروا بهذا السلام فى مدغشقر أو جنوب أفريقيا مثلاً .. بالمناسبة: هل تذكر أى شيء اليوم عن مذبحة جنين؟.. هل تتوقع أى خطوة جديدة فى قضية اغتيال عرفات؟

النفع الوحيد الحالى للعالم العربى هو أن يبيع له الغرب كل شىء، ثم يحمد الغربيون الله على أنهم لم يخلقوا عربًا .... وحتى هذه اللحظة يبدو أن النفع الوحيد للثورات العربية هو أن تخبر الدول المحافظة شعوبها أنها كانت حلاً غبيًا كما قال لكم بابا منذ البداية. حفظ الله تونس .. إنها الراية الوحيدة التى ما زالت ترفرف