هذه أيام سوداء بحق. لم تقترب مصر فى تاريخها الحديث من الاندثار مثلما يحدث هذه الأيام، بين سلطة لا مبالية لا تتمتع بأى كفاءة وتقضى وقتها فى كتابة التويتات، وبين أشخاص اتخذوا العنف هوية وهواية وعنوانًا، وحولوا مصر إلى بلد يستحيل أن يحكمه أى واحد حتى موسولينى نفسه
قال لى سائق سيارة الأجرة إن هناك صبية فى عمر الخامسة عشرة يحرقون الأشجار فى شارع البحر، وأن هناك اشتباكات بالقذائف الحارقة حول محكمة طنطا التى شب فيها الحريق. تساءلت فى سري: ما علاقة الأشجار والمحكمة بالغضب على الحكومة ؟
المشكلة الحقيقية فى مصر اليوم هى أن العنف قد خرج من القمقم.. المعجون الشيطانى قد غادر الأنبوب ولم يعد من الممكن أن تعيده على رأى جورباتشيف أيام البريسترويكا. كل الأطراف تلجأ للعنف وتتجاهل القانون وتشعر أن الحرق والهدم أكثر فعالية. عندما تتكلم عن المواجهات كن أمينًا ولا تصورها لى مجردة، كصراع بين فتية مثقفين (كانوا بيلمعوا النضارة) وبين ملتحين شديدى الفظاظة حمر العيون يلوحون بالسيوف. ربما يروق لك أن تعتبر الأمر هكذا لكنها ليست الحقيقة حتمًا. كل الأطراف مخطئة وآثمة، ولن يكون هناك منتصرون أبدًا. مبارك عندما تكلم عن الفوضى من بعده كان يجمع بين التهديد والتنبؤ، ولا شك أن كثيرين - منهم سائق سيارة الأجرة تلك - يعتقدون اليوم أن عهده كان أفضل