قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, July 29, 2013

مقال قصير



فى المؤتمر الصحفى الذى عقده الجيش لشرح مجزرة الحرس الجمهورى، كاد المؤتمر يبدأ عندما ظهر شخصان عصبيان جدًا لدرجة السعار، وراحا يصرخان بشكل جنونى:ـ
ـ«الجزيرة بره.. الجزيرة بره»ـ

فشلت محاولات التهدئة، وبعد قليل دبت العدوى السادية فى القاعة فصفق بعض الجالسين.. وبالفعل تم طرد مراسلى الجزيرة من القاعة بدلاً من طردهما هما. هذان ببساطة يريان من الطبيعى حرمان الجزيرة من حق الحصول على الأخبار.. حالة فاشية غريبة تغمر المجتمع المصرى وتحتاج إلى محلل نفسى أكثر مما تحتاج لمحلل سياسى

تذكرت الأيام الأولى لثورة يناير عندما كتبت مقالاً طويلاً عن الثورة، وفى نهاية المقال قلت إن الجزيرة قامت بعمل عظيم لكنها لم تكن محايدة ولم تقدم الرأى الآخر (رأى رجال مبارك). أيامها ثار الجميع لأنهم لم يقبلوا أن أنتقد الجزيرة فى شيء، ولم يقبل أحد هذه النغمة الحيادية. أذكر كلمات نوارة نجم الدامعة تتردد بلا توقف بين برامج الجزيرة: «مفيش خوف تانى»، وكيف قالت لمحرر الجزيرة: «لولا هذه القناة العظيمة لفتك بنا رجال مبارك دون أن يشعر بنا أحد»ـ

ما سر انقلاب نظرة المواطن العادى للجزيرة بهذا الشكل؟.. وهل السبب هو ما مر به عقله على مدى سنة من شيطنة لقطر وتحويلها إلى إسرائيل الحقيقية الوحيدة؟ لا شك أن الجزيرة منحازة وغير حيادية، لكن هل هناك إعلام غير منحاز؟.. وماذا تقول عن سى بى سى إذن؟ لكنك سوف ترى فى الجزيرة مظاهرات التحرير ومظاهرات رابعة معًا.. وسوف تسمع فى الجزيرة رأى معارضى مرسى طيلة اليوم يتكلمون على راحتهم. رأيت منذ أسبوع قياديًا فى جبهة الإنقاذ فى حالة عصبية متوحشة لا توصف وهو يشتم قناة الجزيرة على شاشتها، وكلما سأله المذيع سؤالاً قال له: «أنت تقاطعنى لأن كلامى لا يعجبك». بعد هذا ظهر محمود عطية المتحدث الإعلامى باسم ائتلاف مصر فوق الجميع، ليقول للجزيرة إن ما تمارسه قلة أدب وصاح فى عصبية: «احنا بنحب بيادة العسكر وعاشقين للسيسي.. وقولوا لأوباما احنا بنموت فى البيادة». برغم هذا نقلت الجزيرة الكلام بأمانة

فلننس الإخوان تمامًا فليست قضيتى هى الهجوم عليهم أو مساندتهم، ولم أكون رأيًا مكتملاً بصدد ما قام به السيسى.. سوف تكشف الأيام إن كان قد لعب دور سوار الدهب فى السودان أم بينوشى فى شيلى. الموقف معقد فعلاً ولا يمكن أن تنظر إليه باعتباره انقلابًا عسكريًا، فالشارع بالفعل ضد مرسى والإخوان.. استمع إلى أى سائق تاكسى أو قف فى طابور الخبز. هل تجرؤ على حمل عريضة تطالب بعودة الإخوان وتوزعها على الجالسين فى مصلحة حكومية أو مقهى أو أى مكان غير رابعة؟. الإجابة لا. والجيش ما كان ليتحرك لو لم يكن الشارع معه. فى الوقت نفسه لا يمكنك أن تتجاهل مشاهد القتل التى تنقلها قناة الجزيرة وتجعلك تشعر بأنك فى غزة. هذه مشاهد لا تنقلها أى قناة أخرى سوى الجزيرة، ولا شك أن أرقام القتلى خيالية وأنت تراهم على الهواء لحظة الاحتضار مباشرة. من قتلهم؟... هناك من يتهم البلطجية وهناك من يتهم الشرطة. سيقولون إن معظم هؤلاء القتلى هم أشخاص قتلهم الإخوان (كلهم ملتحون وبزبيبة صلاة؟) أو أن الإخوان يلقون بأتباعهم فى التهلكة ليموتوا. بصراحة قرفت جدًا من مدرسة (كل مقتول قتل نفسه ليورط القاتل) الشائعة فى مصر. هل تذكر ست البنات والعباءة المفتوحة وأحذية الشرطة العسكرية؟.. قال الإخوان وقتها أنه مشهد ملفق وأن البنت ذهبت بعباءة مفتوحة أصلاً لتحدث فرقعة إعلامية.. هل قبلت هذا المنطق وقتها؟. لا؟.. لكنك تقبل منطق إعلام رجال الأعمال اليوم. منذ نحو عام قال مفكر سياسى شهير أول حرف من اسمه (البرادعي) إن سقوط قتيل واحد فى المظاهرات يعنى سقوط شرعية النظام.. ما رأيه اليوم؟.. هل ما زال يرى أن النظام شرعي؟ لنقل إن الإخوان شياطين وصهاينة ودمروا مصر لكن هل تشجع هذا المنظر فعلاً باعتبارك مثقفًا؟

منذ أشهر كانت هناك مظاهرات بالثياب الداخلية أمام مقر وزارة الداخلية التى اتهموها بأنها (عاهرة كل نظام)، واليوم صار الشعب والشرطة إيد واحدة مع نفس وزير الداخلية

منذ أشهر كنت إذا انتقدت قيام البلاك بلوك بمحاصرة مجمع التحرير أو اعتراض كوبرى سد أكتوبر، تتلقى الكثير من الهجوم الشرس لأنك لا تفهم الثورة ولأنك حزب الكنبة.. اليوم صارت هذه الأعمال جريمة شنعاء تستحق القتل بالرصاص الحى.. فى كل الأحوال أنا أرفض هذه الأفعال وأدينها لكنى أرفض كذلك الكيل بمكيالين والذمة الواسعة

كل شيء يحدث بالعكس اليوم.. يقولون إن تجمع رابعة فيه أجانب وأعضاء من حماس بلا شك. المعتصمون تقدم لهم وجبات من كنتاكى وهناك حرية جنسية ممتازة عن طريق جهاد النكاح!. هل تتذكر أمورًا مماثلة؟... لا ينقص الأمر سوى مكالمة هاتفية من ذلك الفتى الباكى فى غمرة

العرب قدموا للعالم ابتكارين عظيمين: الابتكار الأول قدمته سوريا، وهو الجمهوريات الملكية الوراثية.. الابتكار الثانى قدمته مصر وهو المثقفون الفاشيون دعاة الإبادة العرقية والمتحمسون للجيش بلا تحفظ.. هناك كاتبة صحفية كتبت مقال غزل فى السيسى تعرض عليه الزواج منها كزوجة رابعة أو تكون جارية له!.. ليس هذا مزاحًا

المجتمع المصرى فى حالة استقطاب عنيفة لا تقبل الحياد.. هناك طرف يطالبنى بكتابة (اذبحوا الإخوان يا شباب وحرروا مصر) وطرف يطالبنى بكتابة (مصر إسلامية. الموت للعلمانيين الكفرة).. لهذا لن أكتب هذا ولا ذاك.. سأكتب فى موضوع آخر:ـ

عندما رأيت السيدة الصارخة: «الجزيرة برة» تذكرت على الفور (كليب) شهير للحظة سقوط شفيق فى الانتخابات، وكيف انتابت سيدة حالة هستيرية فراحت تردد: «يا شعب وسخ» بلا توقف. كانت تتكلم بنفس الطريقة. ثم ظهر شاب نظم مجموعة من الهاتفين ليرددوا: «الشعب يطالب إعدام المشير». باعتبار المشير هو من رتب فوز الإخوان. خطر لى وقتها أن موقف هذا الشاب يعكس الكثير عن الشخصية المصرية المعاصرة:ـ

ـ1ـ لا تقبل الهزيمة.. وأى هزيمة هى مؤامرة

ـ2ـ أذن غير موسيقية. (الشعب يطالب) مكسورة تمامًا وتدل على جهل تام بالإيقاع

ـ3ـ ضعف تام فى اللغة العربية: (الشعب يطالب بـ ).. الفتى يخلط بين (يطلب) و(يطالب)ـ

هذا الجزء الأخير هو مقالى اليوم. مقال قصير لكنه آمن على قدر علمى. سوف أبحث فى دفاترى عن مواضيع سينمائية أو عاطفية تصلح للمقالات القادمة ما دام كل شىء قد تغير والقارئ نفسه قد تغير