قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Thursday, February 14, 2013

في شارع المشاط - 3


-7-

القتلى:ـ
طفل صغير
فتاة مراهقة
شاب

وسائل القتل هي الخنق.. ضربة قوية على الرأس في حالتين
كلهم من سكان شارع المشاط
في كل الأحوال لا توجد استفادة واضحة؛ لا يمكن تحديد هدف الجريمة، هذا قاتل فنان يمارس القتل للقتل كما أن الفن للفن "آرس جراتيا أرتيس"، لا يريد سوى الذعر والدم

ليس هناك مكسب مادي من هذه العمليات
في كل مرة هناك مكالمة هاتفية وهناك طرد يصلني في صندوق القمامة، كان هناك رباط حذاء وكان هناك طبق شاي صغير وكان هناك حزام جلدي
ما معنى هذا؟

كنت جالسا في مكتب عزت والدخان ينعقد في هواء الغرفة، يمكنك أن ترى الأشباح تنتظر وتحملق فيك منتظرة ما ستقول، فإذا نهضت فرّت منك مبتعدة وتبددت
قال عزت:ـ
ـ النقطة الأكثر أهمية، لماذا أنت بالذات؟

هذه هي المشكلة، يحسبون أنني لست بالأهمية التي أراها في نفسي، لذا قلت بكبرياء:ـ
ـ أنا صحفي حوادث مهم، لو كنت قد لاحظت هذا
ـ ليس هذا مبررا؛ نحن لسنا في الولايات المتحدة؛ عدد الأميين عالٍ هنا والناس لا تهتم بالصحف؛ لن تحدث مقالتك ذعرا عاما أو تمنح القاتل شعورا بالأهمية

ابتلعت الإهانة في غيظ وواصلت التفكير.. ثم سألته:ـ
ـ لماذا شارع المشاط؟
تثاءب وفك ربطة عنقه قال:ـ
ـ طبعا لأن أهل الشارع آذوه نفسيا في وقت ما، أو هو يتصور أنه المهدي المنتظر وقد كلّفته السماء بقتل سكان هذا الشارع بالذات، يمكنك أن تكتب عدة قصص تتخيل فيها سبب اختيار الشارع، لكن الخيارات محدودة
ـ وماذا يجمع بين الضحايا؟
ـ ربما كان الأمر عشوائيا
ـ لا أعتقد.. هناك نوع من التخطيط لا شك فيه
ساد الصمت.. بعد قليل قال لي:ـ
ـ أعتقد أننا سنراقب الشارع لفترة، وأنت سيكون عليك أن تخبرني بمجرد تلقي الهدية القادمة

-8-

الكلام سهل على كل حال؛ يمكنك أن تكون حذرا مفتوح العينين ليوم.. يومين.. أسبوع.. شهر، لكن الزمن عدو الحذر، بعد قليل تتعلم أنه لا شيء يحدث وتتراخى قبضتك ويتدلى جفناك وتتثاءب

كانت هناك مراقبة على هاتف الجريدة، استمرت ثلاثة أسابيع ثم توقفت، عندما تكون سفاحا يجب أن تتصل بانتظام حتى لا يملّك الجميع وينسون أمرك

هكذا كان هناك مخبران أو ثلاثة، بعد قليل صارا يذهبان إلى مقهى بعيد لتدخين الشيشة، بعد فترة لم يعد أحد يراقب الشارع، بعد فترة نسي الكل القصة

وكنت في مكتب الجريدة أكتب عن مشاجرة حدثت في شبرا بين تاجرين، وكانت عزة زميلة العمل تفرّغ بعض الصور التي التقطتها بالكاميرا الرقمية، هنا دق جرس الهاتف
رفعت السماعة، جاء الصوت المألوف:ـ
ـ هديتك في السلة أمام الجريدة

دق جرس الهاتف حين كنت في مكتب الجريدة

هذه المرة لم أتردد ولم أطلب عون أحد، اتصلت بعزت أخبره أن يرسل رجاله إلى شارع المشاط فورا وأن يكثّفوا الرقابة
ـ على ماذا؟ الشارع طويل
ـ لا بد من الوجود الأمني، لا بد أن يعرف الجميع أن هناك وجودا أمنيا؛ أرسلوا سيارتي شرطة تطلقان سرينة عالية، ولتمضيا في الشارع عدة مرات
ثم ابتلعت ريقي لاهثا وأردفت:ـ
ـ سوف أرى هديتي هذه المرة وأخبرك بها

انطلقت إلى الخارج حيث صندوق القمامة، الناس ينظرون إليّ بشك وأنا أمد يدي في الصندوق في لهفة؛ لا أبدو لهم جائعا إلى هذا الحد
وجدت الطرد اللعين فأخرجته، وفتحته حيث أنا، يوم يقرر الرجل أن يرسل إليّ قنبلة فلن أنجو منها حتما

هذه المرة لم تكن هناك هدية معينة، كان هناك صورة صغيرة من مجلة، والصورة تمثل قطعة ياقوت كبيرة يبدو أنها كانت في إعلان عن صائغ باريسي مشهور، مجلة خليجية على الأرجح، دسست الصورة في جيبي وحملت الطرد الفارغ

لقد حلل رجال الشرطة الطرود السابقة فلم يجدوا بصمات سوى بصماتي بطبيعة الحال، لا يوجد أي شيء يدل على المرسل، بالطبع لأنه وضع الطرد بنفسه ولم يرسله من مكتب بريد
هرعت إلى الجريدة فاتصلت بعزت أخبره بما وجدت.. صورة ياقوتة.. لا توجد معلومات أخرى.. سلام

وانطلقت إلى شارع المشاط بأسرع ما أمكنني
شارع هادئ جميل؛ بالفعل يحب المرء أن يعيش فيه وينعم بهذه السكينة التي تختلف تماما عن عالم القاهرة الصاخب المزعج الملوّث بالعادم، لكن وغْدا ما قرر أن يفسد هذا كله

منذ اللحظة الأولى أدركت أن رجال الشرطة قاموا بعمل ممتاز؛ هناك عدة سيارات تجوب الشارع الهادئ الذي لم يعرف إلا الدرّاجات، وهناك أكثر من رجل يقف، رجال الشرطة بالثياب المدنية المفضوحة جدا إياها، والتي تجعل أي أعمى يدرك أنهم رجال شرطة، هذه الأكتاف العريضة والشوارب الكثّة والنظرات المخيفة، لكن ليكن، مهمتهم هي ترويع القاتل وليس خداعه

كان عزت يقف هناك أمام بيت من طابقين، وضحكت عندما رأيته ولوّحت بذراعي لكنه كان واجما فلم يكلف نفسه بهز رأسه
عندها عرفت ما حدث
لقد تأخرنا، أو لعل القاتل أرسل الطرد بعد الجريمة وليس قبلها

عندما هرعت إليه نظر إليّ في حيرة وقال:ـ
ـ تأخرنا.. امرأة في الثالثة والأربعين من عمرها، هناك من تسلل إلى البيت وطعنها حتى الموت، كانت وحدها لأن زوجها في العمل والأولاد في المدرسة
ـ وهل حدث شيء؟
ـ لا شيء كالعادة، لا سرقة، لا اغتصاب، لا خلافات معروفة، هذه من جرائم المزاج لا أكثر، قتل للتسلية

كانت الإسعاف تعوي عواءها الكئيب الشبيه بالندّابات الأجيرات، وهي تحاول أن تجد وقفة مناسبة تسمح بنقل الجثة، ثم ظهر رجلان يحملان محفّة عليها ملاءة ملوثة بالدم
هنا لاحظت شيئا تكرر في حوادث القتل السابقة
هؤلاء القوم غير مهتمين؛ لا توجد علامات لوعة من أي نوع، كنا سنرى جارة باكية وجارة منهارة وأطفالا فضوليين، لكن هؤلاء القوم يتعاملون ببرود غير معتاد

ملحوظة غريبة ومهمة، لكن لا سبيل لنقلها لعزت، سوف يسخر مني
وقفت أنظر إلى مدخل البيت، مدخل جميل تحيط به النباتات ويوحي بالسلام، رقم البيت هو 40، هل يستخدم السفاح متوالية هندسية معينة للقتل؟

دعنا نتذكر
أول بيت حدث فيه القتل رقمه هو.. لا أذكر
البيت الثاني رقمه 13
البيت الثالث رقمه 20
هذا البيت رقمه 40

سألت عزت عن رقم أول بيت، البيت الذي قتل فيه الطفل خنقا، بدت عليه الدهشة ثم فتح مفكرته وراجعها، قال لي:ـ
ـ رقم ثلاثة
رحت أفكر في عمق
وفجأة وصلت إلى الحل الصحيح
الأمر واضح وليس معقدا على الإطلاق

.......

يُتبع