قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, July 16, 2012

ناتاشا والذئاب



كل عام وأنتم بخير.. المقال القادم سيكون فى رمضان إن شاء الله. ما زال المرء يحاول أن يبتلع لسانه ويصمت قليلا، ويترك للرئيس الجديد فرصة يحاول فيها لملمة الوطن المفكك تقريبا. اعتدت فى كل مقال أن أقول إننى لا أميل إلى الإخوان، حتى صار هذا مملًّا. نوع من الاعتذار لا داعى له، لكنه بالفعل ضرورى هذه الأيام، لأنه لا أحد يقول كلمته لله أبدا… تخيل أن ابنك -لا سمح الله- مريض جدا، وذهبت به إلى الطبيب (أ) فأكد أن هذا تسمم ناجم عن الغازات التى تنشرها إسرائيل فى الجو، بينما الطبيب (ب) يقول إن السبب نقص تغذية ناجم عن الأزمة الاقتصادية، والطبيب (ج) يقول إن السبب هو أننا لا نتقى الله فعوقبنا.. وهكذا.. أنت تريد التشخيص السليم الدقيق، بينما كل طبيب يعطيك تفسيرا أيديولوجيا يناسب ميوله هو. لهذا عندما لا يهاجم المرء الإخوان فعليه أن يؤكد أنه ليس من الإخوان

حاولت أن أكون دقيقا فى الكتابة عن موضوع مجلس الشعب، فلجأت إلى رأى فقهاء القوانين أو الأساتذة الذين يفهمون هذه الأمور حتى لا ألقى كلاما انطباعيا على عواهنه، فوجدت من يمقت الإخوان أو يغضب لما تصور أنها إهانة ضد القضاء، من ثم قال إن قرار مرسى انقلاب كامل ضد الشرعية وبداية عصر الخلافة القندهارية، والدليل القاطع على أن ولاءه للإخوان أكبر بمراحل من ولائه لمصر. الخبراء القانونيون الذين يمقتون المجلس العسكرى أكثر، أو الذين رفضوا الإعلان الدستورى، رأوا أنها ضربة عظيمة تدل على شجاعة الرئيس الجديد، وأن كل ما فعله هو أن ألغى غلطة اقترفها «العسكرى»، هكذا يضيع الحق بين متعصب للإخوان ومتعصب ضد الإخوان.. بين كاره للمجلس وبين شخص متحيز إلى المجلس

هناك مشكلة أخرى مهمة: حاول أن تكون محايدا على طريقة (أحسن فلان إذ فعل كذا وكذا وجانبه الصواب عندما فعل كذا وكذا)، ولسوف تتلقى سيلا من السباب. الناس عنيفة جدا وشرسة جدا اليوم، ولا تطيق أى اختلاف. كلما قابلتُ أحدا هتف فى ذعر: حمدين صباحى جرى له إيه؟ أو :هوّ مرسى اتجنن؟ أو: ما هذا الذى يقوله الزند؟ أو: حصل إيه لإبراهيم عيسى؟ وفى كل مرة تكتشف أن السبب هو أن الشخص يقول ويفعل أشياء لا تتفق مع رأى المتكلم المذعور. وعلى كل حال استفدت شيئا مهما من هذا كله، هو أن الليبراليين ضيقو الأفق متعصبون كأى واحد آخر

هناك جريمة مشينة اليوم اسمها أن تعبر عن رأيك.. لا بد من ممارسة سياسة ما يطلبه المستمعون.. فقط عليك أن تعرف ما يروق لجمهورك

لهذا لن أبدى رأيى الآن حتى تتضح الأمور أكثر وينبلج الضباب. سوف نتكلم عن موضوع آخر قد لا يبدو ساخنا إلى هذا الحد لكنه بالتأكيد مهم، ويمسّ كرامة مصر. كرامة مصر! هذه عبارة غنائية عاطفية جدا قد تغرى بالتهكم والسخرية، لكنك تكتشف أنها حقيقية عندما تسافر إلى الخارج، وتكتشف مدى دقة المثل «أدعى على ابنى.. وأكره اللى يقول آمين». هكذا شعرت بغيظ شديد وخجل لدى قراءة هذه القصص، ولن أقول إن هذا كله تلفيق هدفه تشويه الثورة. لكنى أطالب بالتحقيق والبحث عن رد. لن تشفى غليلى تلك الردود التى تؤكد أننا رائعون. إن أخبارا كهذه التى سأقدمها لك تشوِّه بالفعل صورة الثورة تماما

المقال فى جريدة «ميل» بتاريخ 12 يوليو. العناوين تقول: «مجموعة حيوانات تهاجم ناتاشا سميث، وقد جرّدتها من الثياب ولم تهرب إلا بعد ما أعاروها ثياب رجل وبرقعًا». وتقول ناتاشا: «كنت كقطعة لحم طازج وسط أسود جائعة»ـ

نحن قرأنا قصة الصحفية لارا لوجان التى تعمل بقناة
«CBS»
التى زعمت أن نحو 300 رجل أحاطوا بها فى ميدان التحرير يوم 11 فبراير 2011 لحظة الاحتفال برحيل مبارك، وقد اعتدوا عليها مرارا حتى أنقذتها امرأتان وجندى جيش. أثارت القصة غيظى وقلت لكل غربى يسرد القصة إنهم مرضى نفسيا يتلذذ خيالهم بهذه القصة التى لم تحدث أصلا، ومستحيل أن تحدث وسط مليونى شخص. المشكلة أن أجزاء من الفيديوهات التى تم تصويرها بالهواتف المحمولة بدأت تظهر الآن، والآن فقط بدأت أعتقد أن شيئا حدث فعلا. بعد هذا انتشرت صورة «الفتاة ذات المشد الأزرق» كما يسمونها فى الصحافة الغربية.. وهى فضيحة كاملة طبعا، لأن الفاعل هذه المرة جنود جيش لا بلطجية. بعد هذا تعرضت الصحفية المصرية منى الطحاوى لتحرش عنيف فى شهر نوفمبر. وهناك صحفية فرنسية اشتكت من التحرش فى الشهر ذاته

اليوم تظهر هذه القصة اللعينة التى تحكيها ناتاشا سميث الصحفية البريطانية (21 سنة) التى تدرس الصحافة الدولية فى كلية فالموث بكورنوول

تقول ناتاشا إن هذا حدث يوم الأحد عندما كانت الجماهير تحتفل بانتخاب محمد مرسى. كانت تمشى مع مرافقين على كوبرى قصر النيل، بينما الناس يلوِّحون لها محيِّين فى فرح، والألعاب النارية فى السماء. وفجأة تزايد الزحام فقررت العودة بدلا من دخول الميدان.. لا تعرف ما حدث لكنها وجدت مئات الأيدى تجرها وتعتصر جسدها ولم يستطع مرافقاها عمل أى شىء. بدأ تمزيق ثيابها، ثم شعرت بأيدٍ عابثة تتوغل فى كل جزء من جسدها مع تمزيق شعرها الأشقر.. وكان هناك رجال كثيرون يحاولون حمايتها أو عمل سور بأجسادهم يحميها، وجربوا أن يخبئوها فى خيمة.. لكن العابثين كانوا أكثر. وقالت لنفسها: ربما كانت هذه هى النهاية فعلا… أرجوك يا رب.. لِينتهِ هذا كله. كالعادة عرفت من النساء أن هذا كله نتيجة إشاعة تزعم أنها جاسوسة. لكن هذا فى رأيها كلام فارغ.. مجرد حجة للعبث بجسد فتاة غربية شقراء. بينما غطتها بعض النساء ببرقع ورحن يقلن لها: هذه ليست مصر.. ليس هذا هو الإسلام.. أرجوك لا تعتقدى أن هذا هو الإسلام!ـ

فى النهاية تمكنت من الفرار مع مصرى لا تعرفه زعم أنها زوجته. وراح يطالبها بأن لا تبدى الذعر أو ما يريب رغم أنها كانت عارية تحت العباءة وحافية القدمين، وفى النهاية ابتعدا عن الزحام، لتبدأ رحلة البحث عن مستشفى يقبلها. وتقول إنها بعد الحادثة صارت لا تطيق رؤية الرجال المصريين، ولن تنسى أبدا كيف كانت معدومة الحيلة واهنة فى أيدى الرجال

كلام يثير جنونك.. هه؟ الردود ألعن وأسوأ.. هناك من يقول إن مصر بلد بدائى متوحش، وعلينا أن لا نرسل صحفيات هناك.. كفاية كده.. أو: كراهية النساء تمشى خطوة بخطوة مع الدين. أو: مصر وجنوب إفريقيا بلدان خطران فعلا.. لماذا ننسى هذا؟ هناك قارئ واحد قال إن موقف الذين أنقذوها كان شجاعا فعلا، والغرب يفتقر إليه

الآن هناك احتمالان.. الاحتمال الأول أن القصة حقيقية وهذه كارثة ومعناها أن علىَّ أن أخجل من كونى مصريًّا. الاحتمال الثانى أن القصة ملفَّقة.. إذن لا بد من اتخاذ إجراءات حاسمة لعقاب هذه الفتاة التى تحاول تشويه سمعة مصر وسمعة ثورتها. أما أن تُطلق الشتائم من دون أن تعرف فهذا هو الحمق وضيق الأفق بعينه. لن تنجح الثورة ما لم نتغير نحن أولا