قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Friday, July 6, 2012

قصة لم تكتمل - 2


التمع فلاش الكاميرا عدة مرات بتلك الطريقة الحكومية الكئيبة التي توحي بمسرح الجريمة، وكان رجال البحث الجنائي عاكفين على فحص الجثتين.. وأخذ عينات من العشب

هناك نطاق من رجال الشرطة يمنع المتسكعين من الدخول، وكان المتسكعون والحق يقال أكثر من الذباب، تلك العاطفة الراسخة فينا أن نرى الموت في أشنع صورة ممكنة.. أن نرى الجثث المشوهة المذبوحة أو التي تحوّلت لعجين، سوف تشعر بقشعريرة وهلع وتقزز، لكن الجزء الخفي من كيانك يشعر برضا تام: لست أنا.. أنا ما زلت حيا.. لقد ظللت صامدا

ستيفن كينج يطلق على هذا "هواية الإبطاء بالسيارة لإلقاء نظرة على حوادث الطرق"، ليس الفضول هو السبب الوحيد

بالنسبة لسمير وهِبة كان وضعهما سيئا.. سيئا إلى حد أن أي مارّ سوف يشعر أنه سعيد الطالع محدود الحظ، لا يمكن مهما حدث أن يسوء وضعك إلى درجة أن يبحثوا عن رأسك -لا قدّر الله– وسط العشب

هناك ورقة ملوثة بالدم تقول: ابن أبراكساس
لم يفهم أحد معنى هذا الاسم، لكن أحد رجال المباحث كان يهوى أفلام الرعب، وقد أعلن أن أبراكساس هو اسم شيطان.. نفس الشيطان الذي اشتقوا من اسمه لفظة أبراكادابرا التي يستعملها كل سحرة العالم

هناك ورقة ملوثة بالدم تقول: ابن أبراكساس

تحسّس العقيد صبري رأسه الموشك على الانفجار:ـ
ـ سفاح مثقّف يهوى أفلام الرعب.. هذا الجو ليس مصريا على الإطلاق.. أعتقد أنها جريمة شرف، وعلينا أن نجد رجلنا بين أقارب الفتاة

حقا لا توجد احتمالات كثيرة في مصر.. كل مجتمع يفرز جرائمه، ومصر ليست معتادة على أسلوب القاتل التتابعي الشهير..  جرائمنا لها طابع محلي حميم واضح

قال النقيب عُمر وهو يدوّن ما قيل:ـ
ـ أقارب الفتاة.. سوف يكون هذا سهلا
ـ إذن عليكم البدء حالا

ونظر للجثتين المغطاتين بالملاءة، وتساءل عما شعر به هذان العاشقان لحظة الموت.. من المؤكد أن الأمر تم بسرعة وقسوة وهذا يريح المرء قليلا 

*****************************

مصطفى الجندي قضى لحظات لعينة وهو يتفقد ملفات الكمبيوتر

من الوارد أن يكون قد أتلف الملف أو أضاعه، فهذا محتمل جدا.. يعرف ساعات السهر الطويلة هذه وكيف يرتكب المرء كل أنواع الحماقات في آخرها

لكن الغريب أن يعدّل القصة وهو لا يذكر

إن القصة التي كتبها ليلا كانت تتحدث عن عاشقين يتبادلان الغرام في مرج، ثم يظهر سفاح يطير رقبتهما.. سفاح على طراز زودياك أو تيد بوندي من الذين يهوون إنهاء قصص الحب بطريقة محزنة، اليوم يجد أن القصة لا تحوي سوى هذه السطور:ـ
الغابة وجوّ العصر الخامل الذي يشتهي القيلولة، لكنه لا يجد متسعا من الوقت لها، وصوت الأوراق الجافة التي تنذر بقدوم الخريف

تحت شجرة ترتمي جثتا عادل وسلوى متشابكي اليدين وقد توحد مصيرهما للأبد.. أين ذهب الرأسان؟ هذا هو السؤال الذي سأله أول مارّ يرى الجثتين.. هناك ورقة جوار أحد العاشقين تقول: ابن أبراكساس

ما معنى هذا؟ السفاح كان موجودا ومشهد القتل كان كاملا.. أين هذا كله؟
ثم زوجته سناء مصرة على أنها أغلقت باب الشقة أمس
على السجادة قطرات الصلصة أو ذلك السائل الأحمر اللزج الذي بدأ...........ـ
يتجلط؟؟؟؟

هذه القطرات تتحرك من موضع الكمبيوتر بالذات، نحو الصالة ثم باب الشقة.. على درجات السلم.. حتى الطابق السفلي 
أين ذهب ابن أبراكساس؟ أين مشهد القتل؟

كان الدوار يوشك على تفجير رأسه.. كل شيء يشير إلى تفسير واحد، وهذا التفسير سخيف جدا ومضحك.. أن يتصوّر أن السفاح الذي أوجده خياله قد تحرر.. إنه حر طليق في القاهرة الآن
كل هذا سخف

الصحف تتكلم عن شابين اسمهما سمير وهِبة.. إنهما مخطوبان وكانا يجلسان في حديقة عامة عصرا، في ساعة يقلّ فيها تواجد الناس.. هذا منطقي.. لا بد أن يبحثا عن مكان هادئ بعيد عن المضايقات وتحرش بائعي السميط

مكان رومانسي.. هذا في الوقت ذاته يجعلهما هدفا سهلا.. يبدو أن هناك من هاجمهما وقطع رأسيهما
مكان رومانسي.. لهذا لم يسمع أحد الصراخ
مكان رومانسي.. لهذا لم يجد أحد الجثة إلا بعد ساعات
مكان رومانسي.. لهذا لم يجدوا الورقة التي كتب عليها "ابن أبراكساس" إلا بصعوبة بالغة

الصحف تتكلم عن شابين اسمهما سمير وهِبة تمت مهاجمتهما وقطع رأسيهما

نحن نتكلم عن قاتل يشبه بالضبط زودياك الأمريكي.. نفس الأسلوب، وزودياك قد تمادى إلى درجة أنه قتل مذيعة التليفزيون التي كانت تتكلم عن جرائمه

ابتلع مصطفى ريقه وقرر أن يصمت
لكنه لم يستطع أن يمسح القصة التي بدأها.. كان يشعر أن مسحها سوف يزيل آخر علاقة له مع المنطق السديد.. سوف يصير مجنونا بشكل رسمي ولن يستطيع التراجع

على أنه قام بخطوة واحدة صحيحة.. قام بأخذ عينات من ذلك السائل الأحمر، وضعها على قطع من القطن ووضع بعضها على شرائح زجاجية، ثم اتجه إلى صديق له طبيب يملك مختبرا

كان سؤاله واضحا:ـ
ـ ما طبيعة هذا السائل؟

تأمل الطبيب الشريحة تحت المجهر.. ثم قال بلا مبالاة:ـ
ـ سوف أحلله بدقة أكبر، لكن هذا دم متجلط.. هل عندك شك في ذلك؟ وما هو مصدره؟

كان مصطفى قد غادر المكان
ليلة كاملة مرت عليه في طرقات المدينة، يجلس في كل مقهى بعض الوقت وينظر للفضاء شاردا.. أعتقد أنه دخّن عشرين حجرا في تلك الليلة السوداء حتى إن صدره كان يعزف سيمفونية متكاملة

المشكلة أنه لم يكن يعرف ما يقول أو يفعل

*****************************

رامي وغادة
هذان شابان كانا يجلسان في سيارة في المقطم.. يبدو أن من قتلهما تسلل للسيارة.. ومن المقعد الخلفي استطاع أن يحصد الرأسين

كان هذا ليلا.. وقد استغرق الوقت الكثير حتى يجد أحدهم السيارة والدم ينزف من تحت الباب في الصباح، هناك ورقة تحمل اسم ابن أبراكساس

قال معظم من علقوا على الحادث أن ابن أبراكساس هذا يسعى لنشر الفضيلة، وأنه لو التزم الشباب الأدب لما استطاع أحد أن يذبحهم.. واعتبره البعض رمزا للفضيلة

لكن مصطفى قرأ الخبر الأسود في الجريدة، وارتجف.. كان يعرف أن ابن أبراكساس لا يسعى لنشر الفضائل، بل هو ببساطة ينتقم من أي عاشقين 

عندما انتصف النهار كان في طريقه إلى مديرية الأمن
سوف تكون المهمة عسيرة ومستحيلة، لكن لا بد من أن يرضي ضميره

وعندما جلس أمام العقيد صبري في تلك الغرفة التي تعبق بالدخان، وأمام الوجوه المتشككة الكارهة له، قال:ـ
ـ أنا أوجدت ابن أبراكساس...وأعرف كل شيء عنه!ـ

.......

يُتبَع