قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Thursday, June 28, 2012

قصة لم تكتمل - 1


عندما جلس مصطفى الجندي إلى مكتبه، وعندما شغّل جهاز الكمبيوتر، وعندما أعد لنفسه بعض الكابوتشينو، وعندما أشعل لفافة تبغ، وعندما قام بتشغيل أغنية خافتة لفيروز، وعندما راح يحدق في الشاشة.. كان يشعر أنه سيكتب عملا رائعا

بعد دقائق بدأ يشعر بقلق.. الفجوة في الورق غير موجودة.. الفجوة التي يعبر منها كل كاتب إلى عالم الرواية -لو كانت هناك رواية- لا وجود لها هنا، وما يدور هو طقوس محترمة جدا لدين لا وجود له.. يعني هناك مذبح وهناك تراتيل وهناك عذراء متأهبة للتضحية.. لكن لا يوجد شيء تدور من أجله تلك الطقوس

جلس قلِقا.. يرشف الكابوتشيونو ويسحب عدة أنفاس من التبغ.. ثم بدأ يضرب على المفاتيح ببطء وبدأت القصة تتشكل

*****************************

الغابة وجو العصر الخامل الذي يشتهي القيلولة لكنه لا يجد متسعا من الوقت لها، وصوت الأوراق الجافة التي تنذر بقدوم الخريف.. وصوت الخطوات فوق الأوراق الجافة مع أنفاس لاهثة

من بعيد يدنو عادل وسلوى متشابكي اليدين والقلبين والأحلام.. يدها رقيقة تسترخي في كفه بدعة واسترخاء واطمئنان.. إنه لي وأنا له.. فلتتوقف أيها الزمن

كانت تلك الشجيرة تنتظر.. تدعوهما منذ الأزل للجلوس تحتها.. منذ لحظة الخلق الأولى تعرف أنهما سيجلسان تحتها يوما ما

فرت سحلية خضراء رشيقة وقد أفزعها القادمان.. ونظر عادل إليها ونظرت إليه

مدت سلوى يدها في حقيبتها وأخرجت قطعة من البسكويت، شطرتها إلى نصفين وناولته شطرا والتهمت هي شطرا.. يوما ما ستفتش جزيئات البسكويت عن بعضها ولسوف تجمعهما من جديد. هذه اللمسات الخرافية الرومانسية تحركها بشدة.. ربما تمنحها نوعا من النشوة كذلك

قالت له:ـ
ـ أنت رجلي ولن ترحل أبدا
قال لها:ـ
ـ أنتِ امرأتي ولن تغيبي وراء الأفق أبدا

ـ أنا مطمئن
ـ وأنا كذلك

*****************************

الذي لم يشعر بأي اطمئنان كان مصطفى نفسه، القصة تبدو مملة فعلا؛ لم يعد أحد يتحمل القصص العاطفية اليوم.. دعك من هذا التوافق والانسجام

لم يشعر مصطفى بأي اطمئنان فالقصة تبدو مملة فعلا ـ (رسوم: فواز) ـ

قال آرثر كلارك يوما: "إن جرائد المدينة الفاضلة ستكون مملة جدا بالتأكيد"، هذا حقيقي

هكذا بدأ مصطفى يعاود الكتابة مع التغيير قليلا

*****************************

لاحظت سلوى أن يد عادل ليست على ما يرام

عندما دققت النظر لاحظت أنها متفحمة.. وأن العظام مكشوفة في عدة أماكن.. شعرت بقشعريرة، وهمست وهي تدقق النظر:ـ
ـ عادل.. هل أنت بخير؟ ماذا أصاب يدك؟

نظر إلى يده وبدا عليه الخجل كأنه اكتشف كارثة لم يرَها من قبل، وقال في جزع:ـ
ـ الشمس.. ما كان ينبغي أن أجلس في الشمس.. إن هذا

ولاحظت ما هو أسوأ.. إن جلد وجهه يتساقط
ثم فتح فمه فلاحظت نابين طويلين هناك

ـ أنت.. عادل.. أنا لا أعرف ما دهاك
قال وهو ينهض:ـ
ـ نعم.. أنا مصاص دماء.. وقد ارتكبت غلطة فادحة عندما تعرضت لهذه الشمس.. يبدو أن علينا أن نختصر الإجراءات

وقبل أن تفهم كانت هاتان اليدان المخلبيتان قد أطبقتا على يدها، وفي اللحظة التالية أدركت أنه يغرس نابيه في عنقها وأن دمها يسيل وأن قواها تخور.. إنه يمتص دمها إذن

*****************************

قرأ مصطفى ما كتبه فبدا له سخيفا جدا.. لم يعد أحد يطيق القراءة عن مصاصي الدماء، خاصة بعدما قرأ الجميع سلسلة "الشفق" وقصص آن رايس، ثم إن تخيُل مصاص دماء تحت شجرة في مصر عصرا أمر عسير نوعا ما

إن الأمور تسوء.. لقد أمضى ساعتين أمام الشاشة دون أن يحقق سوى بضعة أسطر، وها هو ذا يدرك أن المهمة معقدة.. هكذا عاد يمسح السطور السابقة

سوف يبدأ من نقطة "وأنا كذلك" عندما كان العاشقان في تمام السعادة

*****************************

أغمضت سلوى عينيها ودفنت يدها في كف عادل.. بدأت تذوب ببطء في عالمه كأن روحها تتدفق لتسيل في دمه.. وبدأت تشعر بالنعاس

هنا فتحت عينيها قليلا ففوجئت بأنه يمد يده الأخرى ليعبث في حقيبتها

هبت في عصبية وصاحت:ـ
ـ ماذا الذي تفعله بالضبط؟

انتفض في توتر.. رأى عينيها المتشككتين فقال:ـ
ـ لا شيء.. كنت ألعب بمحتويات الحقيبة فقط

لكنها كانت تعرف.. عندما خبأت الميكروفيلم الصغير في الحقيبة كانت تعتقد أنها في أمان وأن أحدا لا يرتاب فيها.. سوف تتركه في سلة مهملات ذلك الإسرائيلي المقيم في البناية المجاورة للسفارة، لكن من الواضح أن هناك من يشك في أمرها.. الأمن المصري يعرف سرها.. وعادل لم يأتِ صدفة.. هو ليس عاشقا.. إنه ضابط مخابرات

المشكلة الآن هي أنه ليس بوسعها أن تغضب أكثر من اللازم.. لن تغضب أكثر مما تغضب أي فتاة أخرى سُرقت حقيبتها

*****************************

لم ترُق الإضافة الأخيرة لمصطفى

ثمة شيء طفولي مفتعل في هذا كله، وهو بالفعل لا يعرف الكثير عن المخابرات.. تبدو حيلة الميكروفيلم في الحقيبة عتيقة تنتمي إلى زمن الحبر السري المصنوع من عصير الليمون وهذا السخف

في صبر رشف رشفة أخيرة من الكابوتشينو وعدّل ما كتبه

*****************************

في هذه المرة كان العاشقان تحت الشجرة يتهامسان، وفجأة صرخت سلوى

كان ما تراه هو رأس عادل المنفصل على الأرض.. وبركة دم

رفعت عينيها في ذعر فهوى نصل سيف حاد على عنقها.. لكنها لم تمُت.. زحفت على يديها وقدميها وهي تنشج.. أما من فعل بها هذا فقد لحق بها وأمسك بشعرها.. لم ترَ وجهه

قالت وهي تبكي وبصوت مبحوح بسبب الجرح:ـ
ـ من أنت؟
سمعت صوتا غليظا يقول:ـ
ـ أنا ابن أبراكساس.. لكن اسمي لن يفيدك لأنكِ سترحلين حالا

كادت تقول شيئا، لكن النصل هوى عليها مرة أخرى

*****************************

بدت القصة أفضل في رأي مصطفى

لا بأس.. السفاح المختص بذبح العشاق الجالسين تحت الأشجار.. هذا موضوع مثير نوعا.. صحيح أنه يذكرك بالسفاح الأمريكي تيد بوندي أو زودياك.. في فترة من الفترات كان أي عاشقين يجلسان في مرج في أمريكا يكتبان شهادة وفاتهما.. لكن هذا عالم مستجد تماما على القارئ العربي

شعر برضا بالغ عن نفسه.. كان عقله قد بلغ مرحلة الليمونة التي تم عصرها بيد بطل كمال أجسام، لذا تأكد من تسجيل الملف وأغلق الكمبيوتر ونام

كان أول شيء فعله في الصباح هو أن أعد لنفسه كوب شاي هذه المرة وهرع إلى الكمبيوتر

راح يقرأ ما كتبه ليلا، وكان قد تعلم بالخبرة أنه أحيانا يكتشف في الصباح أن ما كتبه ليلا كلام فارغ؛ الليل والسهر يغمران العقل في دن من الخمر.. هكذا يصير القياس خاطئا غالبا.. لا بد من النوم ومعاودة النظر في النهار

لكنه عندما عاد يقرأ القصة شعر بقشعريرة

لكنه عندما عاد يقرأ القصة شعر بقشعريرة ـ (رسوم: فواز) ـ

القصة تبدأ بجثة فتاة وجثة رجل ممزقتين في المرج
ما معنى هذا؟

كان هناك مشهد قتل ومشهد حب و... و... أين؟ أين ذلك القاتل الذي يطلق على نفسه اسم أبراكساس؟
عندما جاءت زوجته تلومه لأن باب الشقة مفتوح

وعندما لامته كذلك على قطرات الصلصة التي بعثرها في الصالة حتى باب الشقة، وحتى على درجات السلم
عندها بدأ يتوتر

لو أطلق لخياله العنان لقال إن ابن أبراكساس هذا قد هرب من الكمبيوتر إلى عالمنا

.......

يتبع