قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Friday, May 4, 2012

المريض التالي - الأخيرة


الفرقة تعزف لحن تانجو رقيقًا هو (لا كومبارسيتا).. والإضاءة تتغير. فجأة يغمر المكان لون أزرق غامض كأنه بريق أقمار (بلغوريا).. ما هي أقمار (بلغوريا)؟ لا أعرف لكن لابد أنها ساحرة كهذا الضوء

قال لها هجرس وهو يملأ كأسها:ـ
ـ"هل تريدين الرقص؟"ـ

قال لها هجرس وهو يملأ كأسها: هل تريدين الرقص؟ ـ(رسوم: فواز)ـ

كانت تشعر بخوف لا شك فيه مع حرج بالغ لأن ثيابها غير مناسبة للسهرة في مكان كهذا.. عندما يكون هجرس لطيفًا معها فهو مرعب. أفضل طريقة للتعامل معه هي عندما يكون غير مبال. كان الآن رقيقًا ويبدو رائق المزاج فعلاً
هزت رأسها أن لا

قال بصوت ناعم:ـ
ـ"هل تذكرين أيام زواجنا الأولى؟ كنا نقصد أماكن كهذه ونمضي فيها ساعات وساعات"ـ
قالت وهي ترشف من كأسها:ـ
ـ"كان هناك طبيب شاب اسمه هجرس.. وكان يحبني"ـ

ابتسم تلك الابتسامة الفاتنة التي تنم عن وقار وتنم عن خبث وتنم عن فهم للكون، وقال:ـ
ـ"كنت أتمنى أن أقول إنني ما زلت ذلك الطبيب، لكن أشياء كثيرة تغيرت.. ولنقل بصراحة إنني لا أحمل لك أي مودة.. لكن هذا لا يعني الحرب.. لا أتمنى أن يتهشم عنقك"ـ
ثم حكى لها قصته
لقد ظل اسم (موكابوكو) في ذهنه لفترة طويلة.. كان يعرف أنه ساحر تولع به البلهاوات من نساء الطبقة الأرستقراطية وهو حبيب الممثلات وموضة العصر.. نوع من الروشنة أن يكون لكل سيدة ساحر أفريقي

اسم موكابوكو تكرر على الشيكات ولدى المصرف في حسابهما المشترك. لكن د. هجرس لم يهتم بالأمر.. فلتعبث كما تريد
ـ"من حق المرأة أن تتسلى كما تريد إذا كان زوجها يعاملها كديكور في البيت"ـ

لكن فجأة بدأت الأمور تتغير وبدأ يشعر بقلق بالغ.. هو متأكد من أن أشباح ضحاياه –أو ضحاياه أنفسهم– يلاحقونه. هناك دائرة تنغلق حوله ببطء.. هناك شيء قد تغير

في البيت تفحص ما تحتفظ به ثريا في غرفتها.. وجد صورًا له.. وجد شعرًا أشيب لا يمكن إلا أن يكون منه.. وجد مناديل قديمة تخلص منها
زوجته تمارس السحر.. لكن كيف؟

ثم ربط بين هذا واسم موكابوكو.  ماذا يمارسه الساحر الإفريقي بالضبط؟
ذهب إلى موكابوكو مساء وقدم له نفسه، ثم قدم عرضه.. سيجزل له العطاء ويقدم له مبلغًا ضخمًا، لو أخبره بما تقوم به ثريا.. لو لم يتكلم فلسوف يجد هجرس نفسه آسفًا مضطرًا للاتصال بمكافحة الدجل ووزارة الخارجية وسفارة غانا.. سوف يدمر الرجل تمامًا 

هكذا تكلم موكابوكو.. تكلم كثيرًا جدًا.. وعندما قابلها منذ ساعتين على باب الساحر الإفريقي كان هذا لأنه أخبره أنها ستأتي له اليوم
ثريا هي التي بدأت هذه اللعنة وهي التي تستطيع أن تنهيها

كان ينظر لها بعينين لائمتين فيهما رقة وحنان، حتى أنها شعرت أنه مجنون
أخرج بطاقة الائتمان ليدفع.. وقال وهو يزيح المقعد لها:ـ
ـ"الآن نعود للبيت"ـ

قالت:ـ
ـ"يجب أن تثق بي.. مرة أخيرة على الأقل.. يجب أن أعود لموكابوكو"ـ
ـ"سوف نعود للبيت ثم نفكر"ـ

وهكذا وجدت نفسها تجلس جواره في السيارة صامتة
لقد آذاها كثيرًا.. ولهذا خطر لها كم من الممتع أن تتركه يتعذب وسط ضحاياه.. كل من ماتوا وتعذبوا بسببه.. كان انتقامًا جميلاً قاسيًا يناسب طبيعتها
لكنها الآن لا تعرف ما تقول ولا ما تفعل
السيارة تنهب الطريق نحو الدار نهبًا

توقف بالسيارة في بقعة تطل على النيل الذي يغفو في الظلام. هبط من السيارة ومشى في تؤدة نحو حاجز الكوبري وأشعل سيجارة.. ثم ناداها:ـ
ـ"تعالي يا ثريا"ـ
هبطت من السيارة مترددة.. كل هذا البرد والظلام والوحشة

وقفت جواره تطل على النيل وتشم رائحة الدخان، فقال:ـ
ـ"أنت تعرفين بعد هذا الاكتشاف أن حياتنا صارت مستحيلة.. لكن الطلاق سوف يمتص دمي امتصاصًا.. ثم هو لن يتيح لي الانتقام. تصوري أنك رجل وأنك عرفت أن زوجتك تمارس السحر الأسود ضدك"ـ

قالت في تحد:ـ
ـ"تصور أنك زوجة وزوجك على علاقة بكل فتاة على وجه الأرض.."ـ
ثم أضافت وهي ترتجف:ـ
ـ"هناك تلك الدميـ.. التي.."ـ

لم تكمل العبارة لأنه كان قد انحنى على الأرض وأمسك بعقبيها معًا، ثم رفعها بقوة مذهلة ليضعها على الحاجز.. لم تفهم.. غرست أظفارها في صدر قميصه وحاولت أن تتشبث بربطة العنق، لكنه كان قد وضعها على الحاجز كأنه يجلس طفلاً.. ثم دفعها بقوة عضلية مذهلة لتسقط في النيل.. لم تصرخ ولم تجد الوقت لتفهم

أصلح من سترته وربطة عنقه..الغريب ان لفافة التبغ كانت ما زالت في فمه فسحب منها نفسًا أخيرًا ثم طوح بها بدورها
وعاد للسيارة وقد أدرك أن أحدًا لم يره

*************

جلس في العيادة في اليوم التالي شارد الذهن
سوف يمر بعض الوقت قبل أن يدرك الناس أن ثريا اختفت.. سوف تكون هناك أسئلة بالتأكيد، لكن عليه أن يتمالك أعصابه.. لا توجد جثة طبقًا لقاعدة (هابيوس كوربوس) إذن لا جريمة

موكابوكو النصاب لن يتكلم.. السحرة الأفارقة الذين يمارسون السحر الأسود ويبتزون النساء الثريات، لا يبلغون الشرطة عند اختفاء عميلة
سوف تختفي ثريا وسوف يكون هناك لغز حقيقي.. لكن الجثة لن تظهر ولو ظهرت سيقال إنه انتحار.. زوجها كان يعاملها معاملة سيئة.. لا بأس

استجمع أعصابه ودق الجرس
على الباب ظهرت الممرضة المبهوتة كالعادة فقال لها:ـ
ـ "المريض التالي!"ـ
لم تتكلم.. تراجعت

وبعد لحظات انفتح الباب
رأى وجهين لم يميزهما أولاً ثم عرف الحقيقة
ثريا.. ثريا وشاهنده!ـ

كانت ثريا منتفخة الوجه وقد بدت بالضبط كيدك لو أنك قمت بغسل الصحون في مطبخ دارك.. الجلد يوشك على أن يتسلخ.. الشعر منكوش ومتلاصق الخصلات. أما شاهنده فكانت مذعورة.. ورقبتها في وضع غير مريح بتاتا

كانت ثريا منتفخة الوجه ـ(رسوم: فواز)ـ

ماذا كانت ثريا تحاول قوله؟
قالت له:ـ
ـ"هناك تلك الدميـ.. التي.."ـ

ثم قتلها
يمكن القول إذن أن القصة تتعلق بدمية.. والدمية لم يتم التخلص منها وهو لا يعرف أين أخفتها ثريا. إذن اللعنة موجودة وقائمة للأبد، وحسب اللعنة سوف يحاصره ضحاياه.. لقد كانت شاهنده من ضحاياه بالتأكيد والآن صارت ثريا مثلها

كان د.هجرس  ـ كما قلنا - عمليًا سريع التفكير لا يندهش أبدًا..وهكذا كان قد كون في ثوان تقييمه للموقف

نهض من مقعده.. تراجع للخلف.. ثم أصلح من ربطة عنقه.. نزع المعطف وألقاه على المشجب، وارتدى سترته

كانت المريضتان تتقدمان نحوه في ثبات
في ثبات مماثل اندفع نحو النافذة العريضة التي تحتل جدارًا كاملاً، وتظهر بانوراما لشارع البطل أحمد عبد العزيز، وهشمها بكتفه..كرااااااش!ـ

وبعد لحظة كان يهوي نحو الشارع العريض

.......

تمت