قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, February 27, 2012

اجعلهم يحسدون



هناك إجماع عام على أن الإعلام المصرى فشل فشلا ذريعا قبل وبعد الثورة.. شباب الثوار يرون نغمته استسلامية خنوعية يحركها المجلس العسكرى بخيوطه، وهو شبيه جدا بإعلام مبارك والفقى إن لم يكن أسوأ.. على الجانب الآخر يؤمن الداعون للاستقرار أو المستفيدون منه أنه إعلام مضلل مولع بالتهييج وغير مسؤول وعلمانى

عن نفسى لا أتابع قنوات كثيرة.. أتابع «الجزيرة» و«بى بى سى» و«أو تى فى»، وطبعا أتابع توفيق عكاشة للاستمتاع الشخصى، لأن الحياة من دونه قاسية فعلا

الآن دعونا نتحدث عن موضوع المقال، وهو سياسة النفسنة التى يمارسها الإعلام. هى سياسة لا تفشل أبدا

مثلا قرأت منذ أيام هذا الخبر العجيب: أعلن وزير التعليم العالى أن رواتب أساتذة الجامعة تتضمن جدولا كاملا للرواتب ليكون بداية راتب الأستاذ 25 ألفا و500 جنيه، والأستاذ المساعد17 ألفا و450 جنيها، والمدرس 11 ألفا و450 جنيها، والمدرس المساعد7 آلاف جنيه، والمعيد 3 آلاف و750 جنيها، وبذلك تكون بداية الراتب للمعيد خمسة أضعاف الحد الأدنى للأجور والمدرس المساعد مرتين من بداية راتب المعيد والمدرس ثلاث مرات من المعيد والأستاذ المساعد 4.5 مرة للمعيد، والأستاذ سبع مرات من بداية راتب المعيد

كلام جميل جدا، لكن الجميع يعرف أن هذا لن يحدث.. أنا أستاذ منذ أربعة أعوام ولم يصل راتبى ثلاثة آلاف جنيه بعد.. ليس الأساسى بل كل شىء بالمعنى الحرفى للكلمة. ومنذ عشر سنوات نتلقى وعودا ولا يحدث شىء.. ظهر اختراع اسمه الجودة، كان يمنحك بعض الزيادة من وقت لآخر، لكنه غير منتظم، ولا يمكن الاعتماد عليه بتاتا، دعك من أنه يضع أعضاء هيئة التدريس تحت رحمة رئيس القسم بالكامل، فهو قادر أن لا يوقع متى شاء.. الآن بمعجزة ما يعلن السيد الوزير أننى سأذهب إلى الخزينة لأتقاضى 25 ألفًا.. لا بد من شاحنة تنقل كل هذا المال إذن. طبعا لن يحدث شىء، لكن نشر الخبر أحدث ما أرادوه بالحرف.. نسى الناس كل شىء وانهالت الشتائم على أساتذة الجامعة اللصوص وظهر المواطن «صابر صبرى عبد الصبور» الذى يؤكد أنه يقبض 300 جنيه، عليه أن يعول ستة أطفال منها.. إلخ.. هذا خبر أحدث موجة عاتية من الحقد والكراهية والنفسنة.. بالفعل هناك ظلم اجتماعى شنيع فى مصر، لكن هناك أطرافا أولى بالحقد والمقت: اللصوص

طبعا لن يتقاضى أساتذة الجامعات شيئا، لكنها سياسة لا تفشل أبدا حتى لو كان الكلام صحيحا. كلنا نعرف مناورة أنس الفقى وزير الإعلام، مع محمود سعد فى مداخلة على الهواء، قال فيها إن محمود سعد يتقاضى تسعة ملايين جنيه فى العام. نسى الناس كراهيتهم للفقى ونسوا كل شىء.. كانت هذه ضربة قاتلة لمحمود سعد، وأعتقد أنه لم يستعد شعبيته قط منذ ذلك الحين. وظهر المواطن «صابر صبرى عبد الصبور»، الذى يؤكد أنه يقبض 300 جنيه، عليه أن يعول ستة أطفال منها. الحقيقة أن أحدا لم يتساءل عما يتقاضاه أنس الفقى نفسه.. ثانيا محمود سعد لم يسرق ولم يلو ذراع أحد.. لديه سلعة، رأى البعض أنها تستحق ذلك، وتم كل شىء فى النور. أنا أعرض الموبايل العتيق الخربان الخاص بى للبيع وأطلب مئة ألف جنيه.. أنا حر يا أخى.. لو قبل أحد شراءه فلا تثريب عليه ولا علىّ. ثالثا، هل محمود سعد يدفع الضرائب المستحقة عليه؟ لا تنف ذلك لأننا لا نعرف

سياسة اجعلهم يحسدون لا تفشل أبدا. وتنجح دائما فى تفريق الغضب أو تفتيته على طريقة فرق تسد

يقتحم مسلحون مكتب محام ويسرقون 3 ملايين جنيه كانت الإعلامية الكبيرة سامية الإتربى، ستدفعها ثمنا لفيلا. لم يدر أى كلام حول الأمن الضائع والبلطجة، ولم يسأل أحد من أين جاءت بهذا المال؟ لو جاءت به بطريقة شريفة فما المشكلة؟ ليس كل المليونيرات لصوصا، وكما قال هيكل: ارتفاع أسعار الأراضى جعل فئة كبيرة من الناس تصير مليونيرات فجأة

انهالت الشتائم والنفسنة على سامية الإتربى، وبدا أنهم متعاطفون مع اللصوص جدا

وظهر المواطن «صابر صبرى عبد الصبور»، الذى يؤكد أنه يقبض 300 جنيه، عليه أن يعول ستة أطفال منها.. إلخ

نفس الشىء حدث مرارا مع الصديق إبراهيم عيسى، عندما كان يقدم أكثر من برنامج، فلم يغفر له البعض ما يتقاضاه. أما عن المذيعة دينا عبد الرحمن، فما زال الناس يتجادلون حولها.. هى تؤكد أنها دخلت فى خلاف مع مالك قناة التحرير رجل الأعمال سليمان عامر، وقررت ترك القناة، بينما يؤكد هو أنها كانت تحصل على كذا فطلبت زيادة فادحة

التقط الناس الخيط وانهال الحسد على دينا

أسلوب الرنجة الحمراء الذى يشتتون به كلاب الصيد فتنسى هدفها الأصلى. هذا الأسلوب يستخدمه الإعلام كثيرا وفى كل مرة ينسى الناس الهدف الأصلى وينقضون على من يقال إنه ثرى. لا غرابة فى هذا فمعظم الناس فقراء كما قال شارلى شابلن، والدرس الذى تعلمه من أفلامه الكوميدية كذلك هو أن الناس تحب أن ترى الأغنياء يلقون ألعن مصير ممكن.. المرأة المتغطرسة التى تتعثر وتسقط تضحك الجميع، بينما لا أحد يضحك على المتسول الذى يسقط

كل هذا مفهوم.. فقط اسأل وقتها: هل هذا راتب حلال يتقاضاه فى النور؟ هل يدفع ضرائبه؟ وكم يتقاضى العبقرى الذى يفشى هذه الأسرار؟ وأين اللصوص الحقيقيون المسؤولون عن هذا التفاوت الطبقى؟