قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, November 21, 2011

كأن شيئا لم يكن!



اليوم هو الجمعة السابق لمليونية التحرير التى طلب الإسلاميون تنظيمها. لا أعرف ما ستسفر عنه الأمور ولا حجم المظاهرات، لهذا أعتذر عن الكتابة عنها سلبا أو إيجابا. الكل غاضب، وحتى الذين طالبوا بهذه الوثيقة يوما وجدوا أنها لا تلبى ما أرادوا، اضطراب فى كل مكان تقريبا وعجز حكومى تام، مع يقين لدى الجميع أن الأسوأ قادم وأن المرح لم يبدأ بعد

كنت أسأل نفسى أمس هل فعلا صرنا أفضل أم أسوأ حالا؟ كان ذلك عندما أرسل إلىّ صديق عزيز فيلما قصيرا من يوتيوب، قصة الفيلم أن فتى وفتاة ارتكبا فعلا شائنا فى حديقة الأزهر وقبض عليهما رجال الأمن. أصر الفتى على تصوير رجال الأمن بكاميرا الموبايل التى يحملها، إنه يجادل بقوة والفتاة تتحدى بتنمر وكثير من الوقاحة، لكن رجال الأمن هادئون يتمالكون أعصابهم. قلت لنفسى إن الفتى والفتاة وقحان فعلا اختارا الطريقة الخطأ للتعبير عن الثورة. ولو حدث هذا قبل الثورة لانهالت بصقات وصفعات رجال الشرطة عليهما، لكن بالعكس بدا لى فى الفيلم أن رجال الشرطة هم الطرف الذى تتعاطف معه أكثر والذى يمسك بأعصابه حقا، والسبب طبعا أن كل شىء يتم تسجيله، لكن ماذا يمنعهم من تهشيم الهاتف نفسه؟

نصف كوب الماء الممتلئ يقول إن أظفار الشرطة قد قلمت فعلا، وصاروا أكثر تحضرا، سوف يتردد الضابط القادم كثيرا قبل أن يولج عصا مكنسة فى مؤخرة متهم، ومراد بيه لن يدس لفافة البانجو فى جيب المشتبه فيه القادم. نصف الكوب الفارغ يقول إن هذين الشابين ما كانا ليتصرفا بهذه الوقاحة والتحدى قبل الثورة، لكنى فى النهاية قلت لنفسى إن النصف الممتلئ أروع بكثير من النصف الفارغ

لنفس الفتاة على كل حال قصة طويلة أخذت أكبر من حجمها عندما نشرت صورة عارية لنفسها فى مدونتها، وهى طريقة مبتذلة غير أصيلة للاحتجاج تقلد بالضبط ما تفعله حركات
PETA
فى الخارج، كانت هناك معارضة عربية نزعت ثيابها ودارت عارية عدة مرات حول نافورة فى روما منذ أعوام ولم يهتم أحد بقصتها. طريقة احتجاج خائبة وتافهة. أو هى رغبة استعراضية مرضية عارمة تتنكر فى شكل ثورى، والفتاة تحسب أنها بهذا ستصير قائدة للتحرر النسائى. كل هذا جربه الغرب قبلنا بخمسين عاما وعرف أنه لا يصح إلا الصحيح

نعم. لقد حققت الثورة أشياء كثيرة ولو كنت تشك فى هذا فعليك أن تراجع الصحف منذ عام واحد، ذلك العالم اللزج من الاستعداد للانتخابات المزورة وصور جمال بيه، وأحمد عز الذى يحرص على أن يبدو نصابا، وقضية هشام طلعت مصطفى الأبدية وقضية ابنة ليلى غفران، والتشكيك فى خالد سعيد، وضابط الأمن الذى ركل الطالبة فى بطنها، كنا سيئين جدا ولم نكن نملك أى بصيص نور

المشكلة هى أن فلول مبارك كثيرون جدا وبارعون، بالفعل هم بارعون ولو لم يكونوا كذلك لأطاحت بهم الضربة الساحقة التى هوت على رؤوسهم من 80 مليون مصرى، لكنهم ظلوا على أقدامهم وهم الآن يحاولون النهوض والتماسك والعثور على مكان تحت الشمس الجديدة

كأن شيئا لم يكن، هذا هو شعارهم، هذه سياسة ناجحة تنطبق على الفلول ورجال الإعلام

أذكر فى أيام المدرسة الابتدائية أننى قذفت صديقا لى بحجر على سبيل الدعابة. أنت تعرف مداعبات الأطفال الرقيقة لبعضهم، طبعا اصطدم الحجر بزجاج نافذة وهشمه. التصرف الذى وجدته مناسبا هو أننى ابتعدت بهدوء وأنا أصفّر. بعد ساعات ذاب تصرفى هذا وسط زحام الضوضاء اليومية. وعندما كبرت رأيت رجلا مسنا يخرج سيارته من بين سيارتين فهشم كشافات السيارة التى أمامه والتى وراءه. نظر حوله فلما تأكد من أن أحدا لا يراه، انطلق مبتعدا كأن شيئا لم يكن

على نطاق الدول فعلها نبلاء البوربون فى فرنسا، وهم أولئك (اللويسات) الذين تعرفهم والذين ينتهون بلويس السادس عشر. لقد قامت الثورة الفرنسية عام 1789 وقطعت الرقاب وأحرقت وعيّنت وطردت وحاكمت، هم ظلوا ينتظرون فى هدوء كأن شيئا لم يكن، وعندما سقط بونابرت عام 1814 استعادوا عرش فرنسا، أى بعد 25 سنة! والمهم أنهم لم يتغيروا ولم يتعلموا وعادوا يحمون فرنسا بذات الطريقة الغاشمة التى من أجلها قامت الثورة (كان السادات يحب هذا المثال كثيرا ويربطه بشدة بعودة حزب الوفد، لا تنس أن السادات كان مثقفا، بينما أشك أن مبارك سمع عن البوربون أصلا!)ـ

سياسة من كانوا يفسدون فى الأرض قبل الثورة واضحة تماما: تظاهر بأن شيئا لم يكن. تناس أنك فعلت أى شىء ولسوف ينسى الناس ما فعلته، وانتظر فرصة العودة

الآن نتذكر عشرات المواقف، والتى حاولت الرائعة دعاء سلطان أن توثقها فى برنامجها، من حظ طلعت زكريا ومحمد فؤاد العاثر أن تذكرهما الناس بالذات وتذكر ما قالاه. مثلا كانت المظاهرات تملأ الشوارع يوم 25 يناير، بينما مفيد فوزى يجرى حوارا طويلا (مسجلا) فى التليفزيون مع حبيب العادلى، يطرى فيه وزارة الداخلية ويضع لها المساحيق، ثم يرثيان معا ما حدث فى تونس الخضراء الجميلة التى دمرتها الثورة. كان التناقض مروعا ولم يعلق عليه أحد، ربما لأن الجميع كانوا فى الشوارع وقتها فلم ير أحد هذا الحوار الفاضح. سوف يتوارى مفيد لفترة ثم يظهر ليتكلم فى أشياء أخرى تماما كأن شيئا لم يكن

المذيع عالى الصوت الذى خرج بعد الثورة يسب الدين ويقول (كان طلعان… أمنا)، رغم مدحه الواضح للنظام قبل الثورة. ثم عاد لتقديم برامجه كأن شيئا لم يكن، والمذيعان اللذان قدما فى فخر الصحفية النصابة التى زعمت أنها تدربت فى الموساد لتشعل الثورات، وأنها كانت تتدرب فى الصرب وجنوب إفريقيا، إلخ، تجاهلا الأمر

إنهما يتظاهران بأن الزجاج لم يتحطم، يعودان لتقديم برنامجهما ويصفران، حتى لو انهالت الشتائم عليهما فى النت ويوتيوب فلا مشكلة، استمر فى أداء عملك وسوف ينسى الجميع كل شىء

كل الفلول تعد عدتها للعودة مع الانتخابات القادمة، ويتوقع د.محمد أبو الغار أن يحصلوا على مئة مقعد فى المجلس القادم. لقد كانت الضربة عنيفة وزلزلت الأرض زلزالها، لكنهم استطاعوا أن يحنوا رؤوسهم وأن يعيشوا ثم ينهضوا. يقول العلماء: إن الكائنات الوحيدة التى ستتحمل وتنجو من الحرب النووية القادمة هى الصراصير التى تستطيع التكيف مع كل شىء، أنا أضيف للصراصير رجال الحزب الوطنى السابقين، أمراء البوربون الذين يجب أن يعرفهم الجميع ويبتعد عنهم الجميع