قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Tuesday, July 19, 2011

إعلام لا ينام - ٣



عندما استبد الشك بهاملت، راح يوجه الطعنات دون تفكير ومن وراء ستار.. كانت النتيجة هي أنه وجه طعنة لصديقه بولونيوس نفسه وقتله.. هذه هي مشكلة أن تمتلئ بالشكوك وتصير عصبيا.. عندها تخسر حلفاء حقيقيين

كلمة تكررت في أكثر من حوار بقناة الجزيرة، عندما يكون النقاش عن الثورات العربية، «لا نريد أن يحدث لنا ما حدث في مصر، حيث فقدت الثورة زخمها»، كلمة تضايقني فعلا. إن الثورة المصرية تنفرد بشيء غير معتاد هو أن من قاموا بها وتلقوا الرصاص ليسوا هم الذين يحكمون الآن، لكننا نحمد الله أن من يمسك الأمور أعلن مرارا أنه زاهد في السلطة، وأنه راغب في تسليمها لسلطة مدنية، ولا ننسى أبدا أنه أنقذ البلاد من أن تصير بركة دماء.. هناك نقاط إيجابية لا شك فيها فلستُ مع من يقول (الثورة لم تحقق أي هدف من أهدافها)ـ

هذه المرة سوف أسير عكس اتجاه سفينة «التحرير» أو «الدستور الأصلي»، وبصراحة اختلف جذريا مع كل من كتب عن الموضوع، وهم أبرع مني بكثير وأعمق نظرة

هناك اتجاه لا يريحني بتاتا يقود بقوة للصدام مع المجلس العسكري، والمجلس العسكري هو الجيش، حتى إن زعموا أن هذا غير ذاك

قرأت بعض المقالات عن عصام شرف، فخيل لي للحظة أنها مكتوبة عن مبارك أو أحمد نظيف.. فجأة صار الرجل عدو الثورة وخائنها، كما أن بعض ما كتب عن المجلس العسكري مستفز فعلا، هناك عدة مقالات عن إصبع اللواء الفنجري.. الرجل الذي حلقوا به في السماء عندما أدى التحية للشهداء بصوته الجهير القوي، هو ذات الرجل الذي راحوا يتحدثون عن سقوطه وأغلقوا صفحته.. وما أراه هو أن الرجل كان يتحدث بحزم عسكري.. متى؟ بعد تهديدات واضحة بغلق قناة السويس وإغلاق مجمع التحرير و.. و.. لقد لُمنا الوزارة والمجلس العسكري على التراخي مع أحداث قنا وهواية قطع السكك الحديدية المستجدة على المجتمع، فلما قرر المجلس أن يظهر الحزم قلنا إن أسلوبه مرفوض

الثورة تلتهم أبناءها.. هذه هي الحقيقة 

عصام شرف رجل ممتاز، وبالتأكيد كان يستحق فرصة أفضل.. وإنني لأتساءل عن الفدائي الذي سيأتي بعده ليتلقى الاتهامات واللعنات.. رشحوا البرادعي لذلك، لكن الرجل أذكى من هذا ورفض المهمة بأدب، لأنه يعرف أن كل قادم سوف يحترق بالتأكيد.. بالتأكيد أداء وزارة عصام شرف أبعد ما يكون عن الكمال، لكن الإعلام جعلها مثل حكومة نظيف، وغدا عندما يجلس الرجل في بيته سوف يتساءل عن الخطأ الذي ارتكبه، رغم أنه كان في غاية الإخلاص

ما الركيزة التي ستبقى للثورة بعدما تفقد الجيش والشرطة؟ هل الثورة هي ركيزة ذاتها؟ ولماذا لم تستطع الجماهير حسم الأمور في ليبيا واليمن؟

ليس التعقل جبنا دائما، وليس الانتظار للتفكير قبل الوثب نذالة.. في هذا الحفل الثوري ستعلو الأصوات، ولسوف يتبارى كل واحد في إثبات أنه أكثر ثورية من الآخرين.. وهكذا سيتم رفض (أ) من أجل (ب)، وسيتم نبذ (ب) من أجل (ج).. وسوف يتهمون كل من يقول قولا لينا بأنه متخاذل أو من الفلول.. الكلام ليس عليه جمرك، ومن السهل أن تدخل سوق المزايدات بمقالات نارية تحبب فيك الناس أكثر، لكنها تلتهم الجزيرة الصغيرة التي نقف عليها.. بالتأكيد هناك ديكتاتورية ثورة، عندما تشعرك قوة الجموع بأنه لا راد لإرادتك وأنك قوي جدا.. المشكلة هي أن تتصرف وتتحرك في الاتجاه الصحيح

إذن الموقف فعلا ملتبس وغريب.. بعض الشباب الثائر يتصرف بعجرفة لا تطاق.. والجيش يتصرف بلا مبالاة وتباطؤ مريبين.. كأنه يتعمد الضغط على أعصاب الطرف الآخر

بالطبع أعاتب المجلس العسكري بشدة، وأؤمن باستمرار الضغط.. لكني ضد القطيعة والأفعال العصبية والأقوال غير المسؤولة.. ما أبحث عنه هو شعرة معاوية أو حل وسط

حتى بعد تحديد إقامته أو القبض عليه، ما زال مبارك وعصابته قادرين على تخريب بلد بحجم مصر. كنت أسخر دوما ممن يقول إن مصر مستهدفة (علشان إيه يعني؟)، لكن اليوم مستعد تماما لأن أدرك أن أعداء الداخل وأعداء الخارج لن يتركوا بلدا بهذا الحجم وهذه الأهمية يحكم نفسه ويتقدم

مع حمى الإعلام ما زال البعض مصمما على تصفية حسابات، أو اختلاق شائعات خالية من الصحة.. ما زال البعض مصرا على أن البرادعي هو المسؤول عن غزو العراق طبقا لمدرسة (نقول طور يقول احلبوه) وما زال البعض مصرا على أن هيكل لم يقل رأيه في الضربة الجوية إلا بعد تنحي مبارك (وأنا أرجو أن يكف عن الكتابة لحظة ويجرب أن يقرأ كتاب (أكتوبر 1973 السلاح والسياسة)، وهذه الرسالة التي تقطر سما: «لقد علقت كثيرا وناديت من قبل السادة خبراء الري والزراعة.. هل السد العالي نعمة أم نقمة! انظروا إلى الطمي الذي وراء السد! ونهر النيل الذي أصبح مهملا عجوزا.. حرام عليكم يا خبراء الري والزراعة لماذا تركتم الأرض الزراعية ونهر النيل لهذا الخراب! الأرض الزراعية خربت منذ بداية إنشاء هذا السد!» رغم أن هذا الموضوع قتل بحثا في بداية عصر السادات، وهناك كتاب مهم لفيليب جلاب اسمه (هل نهدم السد العالي؟) استنتج في نهايته أن السد العالي أفضل شيء حدث لمصر

أنا أرى السيناريو واضحا وضوح الشمس، وهو وصول الأمور لنقطة لا يجدي معها الصلح، بين طرف مستعد للصبر إلى النهاية حتى يفقد خصمه أعصابه، وطرف مستعد للانفجار في أي لحظة.. ومن مكان ما يظهر هذا الجنرال أو ذاك ليعلن الأحكام العرفية في محاولة لإنقاذ البلد من الفوضى.. سوف نرى وقتها ما سيقوله ويفعله هؤلاء الثائرون.. سيقولون «ألم نقل لكم إن الجيش يتلاعب بنا ويرغب في السلطة، فلم تصدقوا؟»ـ

للوضع الحالي مزية واحدة بالفعل، وهي توحيد المصريين على قلب واحد.. لم يعد أحد يتكلم عن الدستور أولا، ولا عما فعله السلفيون.. إلخ.. لقد نسى الجميع هذه المشكلات

فقط فلنتعقل ونخفف حدة هذه المقالات النارية التي تقطر مرارة وسخرية.. المجلس العسكري ليس هو الحزب الوطني، وعصام شرف ليس أحمد نظيف.. فلنزح الستار وننظر جيدا قبل أن نبدأ الطعن