قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Thursday, November 25, 2010

مقالات نشرت من قبل - البحث عن أم أنس

تصاعد الدم إلى رأسي غيظًا عندما طالعت عدد مجلة روز اليوسف الصادر يوم السبت 21 مارس 2007؛ فقد وجدت في ملزمة الوسط الملونة مقالاً للصحفية نهاد عزت عنوانه (آخر ما أنتجته ماكينة التخلف والتطرف: جلوس المرأة على الكرسي زنا لا شبهة فيه !).. إلى هذا الحد ؟ المقال يتكلم عن موقع إنترنت يدعى موقع (أم أنس)، التي تصف نفسها بأنها (علامة الدارين الدنيا والآخرة) وأنها (سيدة الزمانين ما مضى وما هو آت)، ثم تصدر فتوى تحرم الجلوس على الكرسي استنادًا إلى أربعة أسباب منها أن السلف الصالح لم يجلسوا على المقاعد ولا الأرائك .. إن في استخدام المقاعد ما يوحي بالإعجاب بالغرب، وهذا يهدم ركنًا عزيزًا من الإسلام هو الولاء والبراء ..

لم تقل أم انس هذا فحسب، بل اشترطت عدم تقديم الأزهار للمرضى لأن في هذا تقليدًا للغرب، وأباحت كذلك الكذب والتزوير لـ (نصرة أمة الإسلام ضد بني علمان) .. المقال طويل ومليء بأمثلة صادمة قاسية توحي بأننا نتكلم عن مستشفى مجانين كبير .. وعلى كل حال اعتاد المرء على ألا يندهش لشيء..

لقد أمست الهواية المفضلة للعرب اليوم هي التحريم .. يجب ألا يمر يوم من دون تحريم شيء جديد، وقد حكى الشيخ الغزالي رحمه الله عن ذلك الشاب في دولة خليجية محافظة الذي سأله عن رأيه في الخل .. قال الشيخ في دهشة من غرابة السؤال: "هو حلال" .. هنا نظر له الشاب في ألاطة وقال: "دليلك ..؟".. استشاط الشيخ الغزالي غضبًا وقال للشاب المتحمس: "وما دليلك أنت على تحريمه ؟.. الأصل في الأشياء الإباحة .. كل شيء مباح ما لم يكن هناك نص واضح في القرآن والسنة يحرمه.."

سمعت الكثير من تلك القصص، ولذا كنت على استعداد لتصديق ما هو أقل فداحة من هذا الخبر، لكن تحريم الجلوس على مقعد بدا لي ضربًا مبالغًا فيه من الشطط.. ضربًا يفوق قدرتي على ابتلاعه أو تصديقه .. هكذا فتحت شبكة الإنترنت وبحثت عن الأخت (أم أنس) هذه حتى وجدت موقعها .. هنا أصابتني الدهشة .. يمكن لأي طفل أن يعرف بعد ثلاث دقائق أن الموقع ليس دعاية للسلفيين بل هو مخصص للسخرية منهم .. هناك من يقلد كلامهم مع كثير من المبالغة (الفارص) التي لا تخدع أحدًا، ولم يرد صاحبها أن يخدع أحدًا، إلا لو كان المنولوجيست يحاول انتحال شخصية عبد الحليم حافظ عندما يقلده.. مثلاً كيف يتحدث موقع سلفي عن المطوّع المريض نفسيًا الذي يتسلى بتحسس أجساد الفتية المُرد، بعد ما يلومهم على عدم صلاة العصر أو حلاقة اللحية ؟.. كيف يذكر حيثيات الكذب فيقول : "وقد استفاد من فتوى جواز شهادة الزور الشيخ العلامة عامص أبو القرون بعد أن مارس اللواط مع أحد الغلمان" ؟.. أو هذا الخبر عن الشيخ نفسه :" لقد عُرف عن العلامة النحرير والداعية النخرير, عامص أبو القرون, عليه الصلاة والسلام ، أنه يهوى ويعشق ويشم وينشق وله في الغرام مواقف مثيرة, وقضايا يقال بأنها خطيرة" .. هل الموقع السلفي سيقول عن أحد الشيوخ: (صلى الله عليه وسلم ) ؟!. .. وهذا الكلام عن ذباب أفغانستان الذي يشارك المجاهدين في طرد الأمريكان: "الذباب !! أعزه الله كما يقول من ذهب هناك . هذا الذباب العظيم الذي ورد ذكره في السنة المطهرة, يا إخوان, أمره عظيم, أي و الله, إنه ما إن يمس جسد الأفغاني أو المسلم حتى يعطيه قوة تضاعف قوة أربعة عشر بعيرا, الله أكبر يا إخوان, و يا سبحان الله, انظروا, إذا لدغ جسد الكافر أماته في الحال وجلب له الأمراض التي تتفشى في بني جلدته. يا الله, انظروا يا إخوان: ذباب, ذباب, يرسله الله لنصرة المسلمين حينما ذل المسلمون!"

القصة واضحة إذن ولا تحتاج إلى أمثلة أخرى ..هذا الموقع أنشأه من يريد السخرية من السلفيين .. في موقع آخر سلفي (بجدّ) وجدت من يتهم موقع (أم أنس) بأنه مدسوس من الرافضة.. رأيي أنه موقع أنشأه ملحد يريد أن يتسلى قليلاً، لكنه شخص يعرف المجتمع السعودي جيدًا، ويجيد العامية السعودية .. أي إنه شخص (من الداخل).. .

المشكلة هنا ليست في الحرب الأبدية بين الوهابيين وخصومهم، فهذه ليست موضوعنا هنا، ولكنها في الأخت العزيزة محررة (روز اليوسف).. هناك احتمالان لا ثالث لهما: إما أنها لم تتفحص الموقع بدقة وإنما أخذت منه بالضبط ما يناسب وجهة نظرها، وهذا يضعها في قائمة الاستسهال و(الكروتة)، على طريقة المخبر الذي ينتقي كتاب (التنظيم والإدارة) من بين كتب الطالب المعتقل ليثبت أنه ينتمي لتنظيم سري؛ وإما أنها أذكى من ذلك وقد تعمدت تزييف الحقيقة، على طريقة ضابط أمن الدولة الذي يرغب في تلفيق قضية لنفس الطالب البائس .. لا أعرف هل لعبت صحفيتنا العزيزة دور المخبر أم الضابط، لكن القارئ في الحالتين مخدوع، وقد تم تجنيده معنويًا لقضية لا وجود لها أو لم تبلغ هذا الحجم ..

لست أدافع عن السلفيين هنا، فهم أقدر على ذلك، لكني أدافع عن مبدأ الدقة والأمانة فيما يُنقل إلى القارئ سواء كانت الحقيقة في صفك أم ضدك .. إن الإنترنت أداة مذهلة لنقل المعلومة، لكنها - للأسف - أداة مذهلة لنقل الخرافات والأكاذيب كذلك . تغريك بالخفة وباستعمال معلومات غير موثقة أو تمت مطالعتها على عجل، ولا يقتضي الأمر إلا الضغط على زر Forward لتسري هذه المعلومة المغلوطة كالنار في الهشيم .. كل خطاب يصلك ترسله إلى ألف عنوان في ربع دقيقة حتى قبل أن تقرأ محتواه .. شركة هوتميل سوف تلغي خدماتها المجانية قريبًا وعليك إرسال هذه الرسالة لألف شخص ..هذه صورة الفتى الذي تعفن بعد ربع ساعة من دفنه لأنه كان يستمع للأغاني .. أيقونة الدبدوب التي ستجدها ضمن ملفات النظام هي فيروس يهودي خطير تم دسه على ملفات المسلمين .. هذه هي الفتاة التي تحولت إلى سلحفاة لأنها أهانت المصحف .. تم تحليل عينة من مشروب البيبسي الذي سقط على ملاءة الفراش فاتضح أنها مليئة بفيروس سي .. وهكذا .. حتى تشعر بأننا أمة مترهلة لا تفعل أي شيء سوى الجلوس أمام الكمبيوتر وتبادل الأكاذيب والهراء..

النقطة الثانية هي ولعنا بعدم استكمال قراءة أي شيء .. تجد في الصحيفة خبرًا يقول: القبض على الممثلة الفلانية وفي حوزتها مخدرات.. تقرأ الخبر بعناية فتجد أن هذا سيكون دورها في فيلمها القادم ..مجرد لعبة صحفية قديمة قدم الطباعة ذاتها .. لكن الموظفين الملتفين حول طبق الفول الصباحي في المصلحة يتناقلون العنوان باعتباره حقيقة لأنه لا أحد يحاول التدقيق.. هذا هو ما فعلته المحررة سواء بقصد أو دون قصد، وهذا الاستعمال أضعف قضيتها ولم يقوها .. نعم هناك الكثير من التطرف والشطط، لكن هذا التلاعب في الحقائق يجعلك تلقائيًا تقف في صف الضحية لا الجلاد .. وللحديث بقية