قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, August 25, 2010

مصحة الدكتور أنطوان - 5


=================================


كاللصوص رحنا نركض في الرواق فارّيْن.. ثم خرجنا إلى الحديقة.. لم يتبعننا؛ لكنهن رأيننا.. لا شك في ذلك.. لا شك في ذلك


قالت نادية وهي تلهث
ـ"الأمر واضح، لا يردن شوشرة.. كن يقمن بهذا سراً.."ـ

قلت لها وأنا موشك على الإصابة بنوبة قلبية
ـ"أعتقد أن علينا أن نذهب لغرفتينا ونفتح عيوننا جيداً.."ـ

كان الظلام قد هبط على الحديقة، وأضيئت الأضواء مُعطية ذلك الجو الكئيب للحدائق التي تُنار بضوء خافت

قالت لي نادية ونحن نتحرك نحو غرفتينا
ـ"أريد التنقيب في هذا المكان جيداً.. هذه المصحّة غامضة كالموت.. سوف نتحرك في الثانية صباحاً.. لا تُنِر أي شيء في غرفتك وغادرها خلسة ومعك الكاميرا.. سوف نلتقي في الحديقة.."ـ

كنت أؤمن مثلها أن هناك شيئاً مريباً.. لكني بصراحة لم أملك الشجاعة اللازمة لهذه المغامرة الليلية، كل شيء يوحي بأننا في مكان مريب.. هناك لغز يجب أن نحله، وعلى كل حال تنجح الأنثى الشجاعة دوماً في أن تجعل الرجل شجاعاً

هكذا في الظلام، وعندما صارت الساعة الثانية بعد منتصف الليل غادرت غرفتي ومشيت إلى الحديقة؛ حيث كانت تنتظرني.. هل هناك كلاب يطلقونها في الحديقة ليلاً؟.. لا أعتقد وإلا لمزق نباحها الصمت

كانت تحمل في يدها ميدالية صغيرة تطلق ضوءاً خافتاً رفيعاً.. بخطوات ثابتة مشت نادية في الحديقة وهي تنظر حولها بحذر.. كانت تتجه إلى البناية الإدارية؛ حيث مكتب المدير، هناك شيء غريب.. لا أحد يقابلنا على الإطلاق..  لا رجال أمن.. ما معنى هذا؟.. إما أن التراخي هنا شديد، أو هم -كما يقول الغربيون- يعطوننا حبلاً طويلاً نشنق أنفسنا به

كانت تذكر المكان.. الرواق الأنيق بين التماثيل التي تبدو حية.. لكن المكتب كان موصداً بعناية، هناك غرفة جانبية كُتب عليها "المعرض"، أزاحت الباب بحذر ودخلنا

هناك على الجدران وعلى ضوء الكشاف الخافت، كانت مجموعة من الصور بعضها بالأبيض والأسود يعود للستينات من القرن الماضي، وبعضها حديث ملون.. استقرت عينانا على وجه الطبيب الذي يظهر في كل الصور والذي يبدو أن مكانته عالية الشأن.. إنه المدير بلا شك.. يقف وسط مجموعة ممرضات ويصافح وزير صحة سابقاً.. لا بد أنه مدير المصحة نفسه.. لا بد أنه د.أنطوان

الآن أنا مذعور فعلاً.. هذا الوجه لا يمتّ بصلة لدكتور أنطوان الذي قابلنا

إن من قابلنا لم يكن هو مدير المصحة.. دعك من أنني لا أميّز أي وجه قابلناه هنا.. كل الأطباء في الصور لهم ملامح مختلفة وكذلك الممرضات

لم تتكلم نادية.. غادرت الغرفة في صمت فالبناية وأنا خلفها أحاول أن أفهم

في صمت اتجهت إلى صوبة صغيرة خلف الأشجار فدخلتها وأنا مندهش، ثم عادت حاملة رفشاً مما يستعمله البستانيون.. وقالت
ـ"أعتقد أن عليك أن تقوم ببعض الحفر"ـ

في ضوء النجوم اتجهت إلى تلك الرقعة التي كانت أبصالها لا تنمو بانتظام، وناولتني الرفش وطلبت مني أن أحفر.. مجنونة ولا شك

صوّبت الكشاف إلى التربة التي أحفرها بلا براعة.. وفي النهاية اصطدمت بشيء صلب.. على الضوء الشاحب أرى تلك الجمجمة والشعر الآدمي واليد المتقلصة..  ارتجفت.. هنا انطلق ضوء الفلاش الساطع للحظة. لقد كانت تحمل الكاميرا الخاصة بي

ـ"جرب مكاناً آخر.."ـ

اتجهت إلى مكان آخر ورحت أحفر..لم أستغرق وقتاً حتى وجدت القدم البشرية شبه المتحللة

ـ"أعد تغطية كل شيء قدر المستطاع"ـ

وهكذا أهلت التراب وأنا أرتجف.. الرائحة ذاتها بدت كريهة جداً كأن هذه الطبقة من التربة كانت تخفيها. الأبصال تلقّت أفضل سماد ممكن؛ لكنها أصرت على عدم النمو في تربة غير ثابتة

سمعت عن المرضى الذين يموتون ويُدفنون في السجون السياسية، لكن لم أسمع عن المرضى الذين يدفنون في ذات المصحة.. أحقاً لم يشعر أحد باختفائهم؟

ـ"لا تتحركا!"ـ

هذه كانت من الخلف.. استدرنا لنجد رجل أمن ضخم الجثة يصوب كشافاً نحونا، ولاحظت أنه غير مسلح.. لكنه يحمل جهاز اتصال صغيراً ينوي استعماله.. كانت نظرة عينيه مفترسة فعلاً وأدركت أنهم سيؤدبوننا بالتأكيد

قالت نادية وهي تنظر في عينيه
ـ"معذرة.. لقد أراد صديقي أن يُفرغ مثانته.. إنه أحمق كما ترى.."ـ

لكن الرجل بالطبع لم يبتلع هذه الحيلة السخيفة.. لا أحد يتبول وهو يحمل رفشاً.. رفشاً

قبل أن أدرك أنني فعلت ذلك هويت على عنقه بالرفش الذي كان في يدي.. لم أعرف أنني بهذه القوة إلا عندما سقط على الأرض بلا كلمة، مستحيل!.. لا أحد يموت بهذه السهولة، دعك من أنني لم أقتل قطاً في حياتي


رحت أرتجف بلا توقف، وكدت أصرخ لكن نادية قالت وهي تحاول التماسك
ـ"هلم.. هلم. لم يكن ليتركنا.. دعك من أنك لم تكن لتكسب أي التحام جسدي معه.. كان سيهشم عنقك كالجزرة"ـ

ثم ركعَتْ جوار جثته وراحت تعبث.. حتى انتزعتْ مجموعة مفاتيح من حزامه

قالت في خبث وهي تلوح بها
ـ"هذه هي الجائزة الكبرى.. سوف نبحث ونوجه أسئلة.. لا بد من أسئلة.."ـ

ـ"والقتل؟.. أنا قتلت!"ـ

ـ"سأشهد أنه دفاع عن النفس... لو كان ما أعتقده صحيحاً، فلسوف يوجّه لك رجال الشرطة عبارات المديح!"ـ

.......

يتبع