قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Tuesday, December 8, 2009

و تبدأ الدورة من جديد



عندما اقتحمت الطائرتان برجي مركز التجارة العالمية أمام عيوننا في يوم الثلاثاء الشهير، كانت مذيعة قناة الجزيرة تحاور الرائع (حافظ الميرازي)، وكانت تتمسك باحتمال واهٍ أن من فعل هذا من الجيش الأحمر الياباني. قال لها: «أدعو الله أن يكون هذا صحيحًا، وإن كانت الفرصة شبه معدومة، فالأرجح أن يكون الفاعل طرفًا عربيًا أو إسلاميًا»ـ

تذكرت هذا الموقف من جديد عندما أذاعت الفضائيات أن جنديًا أمريكيًا في قاعدة فورت هود العسكرية بولاية تكساس أطلق الرصاص علي زملائه فأردى 13 منهم وأصاب 31 آخرين. قلت لنفسي إن هذا الحدث يتكرر مرارًا في الولايات المتحدة علي كل حال، حيث اقتناء السلاح واستعماله جزء مهم من الثقافة الأمريكية، ومن رأوا فيلم مايكل مور الجميل (لعب البولنج من أجل كولومبين) يعرف هذه النقطة جيدًا. يبدو من الأحداث اليومية المعتادة هناك أن يقتحم التلميذ مدرسته ليمطر زملاءه بالرصاص، أو يدخل موظف البريد المكتب ليفتك بزملائه ومديريه، حتي إن الأمريكان ابتكروا فعلاً جديدًا يعبر عن هذا العمل
To go postal
أي يتصرف كموظفي مكاتب البريد المخابيل، أو (يجن) ببساطة. في يوم 6 مايو 1993 وقع حادثان منفصلان في مكتبي بريد متباعدين. هناك مصطلح آخر هو آموك
Amok
 وهو مصطلح ذو أصل هندي يدل علي الفيل الهائج الذي يدمر كل شيء

هكذا نسيت الأمر برمته إلي أن تبينت تفاصيل الحادث.. القاتل طبيب نفسي من أصل أردني هو الميجور نضال مالك حسن الذي كان يعالج الجنود الذين جرحوا في حروب بالخارج. لا بأس .. برضه لسه (آموك) .. في النهاية هو مواطن أمريكي يجن كأي مواطن أمريكي آخر. بعد فترة أخرى قالوا إنه كان ذا ميول دينية واضحة وكان يلبس ثيابًا ذات طابع باكستاني، وقيل إنه أطلق الرصاص وهو يصرخ (الله أكبر). ليس آموك للأسف

التقط الكرة علي الفور أمثال المبشر الأمريكي برايان فيشر ليقول في غطرسة في برنامجه (النقطة البؤرية) إن الوقت قد حان لمنع المسلمين من دخول الجيش الأمريكي. إنهم لا يمتون للبلد الذي يعيشون فيه، بل هم مسلمون فقط، وهو ما قاله هتلر عن اليهود في الثلاثينيات عندما قال إنه لا يوجد يهودي ألماني ويهودي روسي .. كلهم جنسية واحدة اسمها (اليهود). يقول فيشر إن المسلم المتدين حقًا هو الذي يؤمن بأن عليه قتل الكفار. عندما يقتل مسيحي الناس فلأنه مسيحي سيئ، بينما المسلم الذي يقتل غير المسلمين يبرهن علي أنه شديد الإيمان. لا تثقوا بالقسم الذي يؤدونه قبل الخدمة؛ لأن خديعة الكفار شيء مستحب في الإسلام. يمكن للمسلمين في الغرب العودة للحياة العامة إذا قدموا شهادة تفيد أنهم خالون من الأفكار الجهادية إياها. كيف ؟.. هذه مشكلتهم وعليهم حلها. ويقول بالحرف: «المسيحية دين السلام أسسها أمير السلام، بينما الإسلام دين حرب وعنف أسسه رجل اعتاد أن يقطع رءوس أعدائه، وتزوج طفلة في التاسعة من عمرها، وكون ثروته من نهب القوافل التجارية.......... ما فعله نضال مالك هو أنه قلد حرفيًا رسوله، لذا هو مسلم ممتاز. البرابرة ليسوا علي الأبواب .. إنهم بالفعل داخل الحصن وقد حان الوقت كي يتوقف الجنون»ـ

وفي مقال آخر يقول إن المسلم المؤمن لا يمكن أن يكون مواطنًا أمريكيًا . إن قيم الإسلام تتناقض علي طول الخط مع القيم الأمريكية التي أسسها المسيحيون واليهود. مؤسسو أمريكا عبدوا الرب المذكور في التوراة.. أبا يسوع المسيح، بينما المسلمون لا يفعلون ذلك، لذا فأية محاولة لادعاء أنهم يعبدون ذات الإله باطلة. باختصار لا يمكن للمسلم أن يصير أمريكيًا طيبًا إلا بالتخلي عن الإسلام

قال هذا الكلام في مقالاته وفي لقاء تليفزيوني دار معه، بينما محاوروه المسلمون يؤكدون أن الإسلام ليس كذلك .. هذه هي الحقيقة، لكن عم تنم أفعال المسلمين ؟

أما عن الصومال فموضوع يطول الكلام فيه .. لا أحد يفهم أي شيء مما يدور هناك بعد جهادهم الطويل، والجندي الأمريكي الذي جروا جثته في الشوارع، ولعب الصبية الكرة برأسه و(بلاك هوك داون). رأيت ذات مرة في التليفزيون مجموعة من المواطنين العراة الحفاة (لا شغلة ولا مشغلة) يجلسون أمام القصر الرئاسي الصومالي حيث تدور مفاوضات ساخنة، ثم يعلن أحدهم انتصار المحاكم الإسلامية فيهللون ويتعانقون، وبعد قليل تصل الأخبار أن المحاكم الإسلامية هزمت فيتعانقون ويهللون. ومن حين لآخر يخرج شاويش ذو شارب كث يحمل بندقية آلية وفي عينيه نظرة أمنية مخيفة، فيهللون من جديد. هكذا عرفت أنني لست الوحيد الذي لا يفهم شيئًا. منذ أيام دار احتفال بتخرج دفعة طلاب في جامعة بانادير في تخصصات الطب والهندسة. هذا عيد حقيقي في بلد يعاني الفقر والجهل والمرض .. شباب زي الورد بالأرواب السود والكاب المربع إياه وبهجة عارمة وزغاريد أمهات ودموع الفرح، وهنا .. انفجار مدو ويتحول كل شيء إلي بحر من الدماء والجثث الممزقة .. يموت ثلاثة وزراء هم وزيرة الصحة قمر عدن علي، ووزير التعليم أحمد عبد الله وائيل، ووزير التعليم العالي إبراهيم حسن أدو، مع 18 شخصًا ونرى وسائل الإسعاف البائسة حيث يحملون المصاب علي ملاءة ويجرون في الشوارع .. هل هذا شعب يتحمل الانفجارات والقنابل ؟ وعلي أي شيء يتقاتلون ؟ الفاعل انتحاري تنكر كمنتقبة وتسلل للحفل وفجر نفسه. لا يوجد بينهم إسرائيلي ولا أمريكي واحد، لكن منفذ الانفجار فعل ذلك وهو علي يقين أنه شهيد وأن الحور العين بانتظاره هناك .. ما هو المنطق العبقري الذي يقنعك بأن تقتل صوماليين مثلك ؟.. التفسير الوحيد بالنسبة إليَّ هو أن المنفذ كان سينتحر في جميع الظروف، فقرر أن يجمع بين فائدتي الانتحار والخلاص من خصوم سياسيين. التفسير الآخر الأضعف هو العقاقير علي طريقة جماعة الصبّاح من الحشاشين السفاحين. ألم يقل شهود مذبحة الأقصر إن المنفذين كانت حدقاتهم متسعة وكانوا يلهثون ويصدرون أصواتًا غريبة ؟

في فلسطين كنا نقر الأعمال الاستشهادية ونتحمس لها، والسبب واضح: أنت تقتل أعداءك الذين قتلوا أسرتك، ثم إن ظهرك للجدار ولم يبق في يدك ما تكافح به سوى حياتك ذاتها. لكن ما مبرر تفجير نفسك في حفل تخرج في بلد إسلامي، وما مبرر إطلاق الرصاص علي زملائك في القاعدة الذين أعطوك الأمان ؟

هناك دائمًا تفسير .. لديهم ما يقولون ولديهم من يتحمس لهم ويشتم منتقديهم ويتهمهم بالكفر .. عندما أسرت طالبان الفتيات الكوريات بحجة أنهن مبشرات، لم يقل أحد إنهن اغتصبن مرارًا وإن أمراء الحرب أجروا عليهن مزادات لا تنتهي. الصحف الكورية قالت هذا، وبالطبع كان لدى أمراء الحرب مبرراتهم .. هن سبايا وغنائم حرب .. إلخ .. المقاييس الإنسانية لا تنطبق علي هؤلاء فهن لسن بشريات، والمهم أن نَظلم نحن، بينما نتحدث عن المعايير المزدوجة والغرب الذي لا يقبل الآخر عندما تقتل الشهيدة مروة الشربيني في قاعة المحكمة. وأنا بشكلٍ ما أضع بعضًا من مسئولية دمها علي رءوس هؤلاء المخابيل

ماذا تتوقع من وسائل الإعلام الغربية بعد هذا ؟..ثم تجد من يتساءل: من أين تأتي الاسلاموفوبيا ؟.. لقد فعل المسلمون ما بوسعهم لإقناع الغرب أن الإسلام خطر داهم، وهي حرب لن يربحوها كما لن يربحها الغرب. هذه الأفعال نوع من الحقد علي دول مستقرة بلغت الكمال علميًا واقتصاديًا .. إنه نوع من ضرب الرأس بالحائط غلاً لا أكثر .. سوف تفتح رأسك، لكنها لن تسقط الجدار. تذكر الشماتة والتهاني بعد أحداث سبتمبر وكيف تحولت بكاء وصدمة بعد احتلال أفغانستان والعراق

يسيئون لسمعة الإسلام في كل مكان، ويؤذون المسلمين المعتدلين الذين يحترمون قوانين البلاد التي يقيمون فيها، ويحاصرون الإسلام أكثر فأكثر .. في النهاية - كما يعلمنا التاريخ - سوف يغلبهم الإرهاق ويتعبون فينامون وسط برك الدماء التي أسالوها، وبعد خمسين عامًا سوف يبدءون من جديد قائلين: لقد فشلنا أول مرة؛ لأن إيماننا لم يكن كافيًا. وتبدأ الدورة من جديد كما لم تكف عن الدوران منذ انتهت الدولة العباسية حتى اليوم