قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, October 21, 2009

الجنرال يفقد أعصابه


هذا ليس عنوان رواية لماركيز وإن كنت لا أستبعد أن تكون هناك رواية بهذا الاسم

القصة حدثت عام 1943 في ذروة الحرب العالمية الثانية، عندما كان الجنرال الأمريكي الصاخب ذائع الصيت (باتون) يجتاح صقلية .. يتقدم نحو العاصمة (باليرمو). (باتون) من جنرالات الحرب العالمية المهمين، وقد اشتهر بلسانه السليط واندفاعه، وبراعته الحربية حتى إنهم اعتبروه من آلهة الحرب

في ذلك اليوم كان باتون يتفقد الجرحي من الجنود في مستشفي عسكري بصقلية، وقد كان ينتشي كثيرًا كلما رأى جنديًا أمريكيًا فقد ذراعًا أو ساقًا أو في غيبوبة، فهؤلاء هم الجنود المحترمون الذين يريدهم ! هنا وجد جنديًا شابًا اسمه (تشارلز كول).. لا إصابات في جسده لكنه يبكي بلا توقف .. ما مشكلتك يا بني؟

هنا قال الجندي بين دموعه إنه مصاب بانهيار عصبي لأنه لا يتحمل الحرب والقصف. كان هذا أكثر مما يتحمله باتون الذي فقد أعصابه وأطلق سيلاً من الشتائم البذيئة في وجه الجندي، وكان باتون يملك حصيلة ممتازة منها، ثم صفعه علي عنقه مرتين .. نهض الجندي فركله باتون في مؤخرته، ومن ضمن ما قاله له

«أنت جبان .. لست جديرًا أن توجد هنا بين هؤلاء الأبطال. لو لم تغادر الفراش حالاً فلسوف أنسف رأسك»

كل هذا برغم احتجاج الطبيب الذي يعرف أن ذعر المعارك مرض كأي مرض آخر. وبالطبع ازدادت حالة الجندي سوءًا وراح يذرف الدمع وهو يرتجف

هكذا قامت الدنيا ولم تقعد .. عرف الجنرال أيزنهاور بالقصة، كما نشرها أحد الصحفيين الأمريكيين، وأرغم باتون علي أن يعتذر للجندي المسكين أمام مجموعة من الجنود، وهي ضربة قاسية جدًا لكبرياء الجنرال. وفكر أيزنهاور في أن يعزل باتون أو يجرده من نياشينه ثم قرر أن يكتفي بعدم إسناد أية مهام له، وهو عقاب أسوأ من القتل بالنسبة لإله الحرب الأمريكي. علي كل حال لم يقتنع الألمان بأن باتون معزول لأنه لا أحد يعزل جنرالاً بهذا الحجم، وحسبوا بقاءه في صقلية نذيرًا بغزو أمريكي يتم من ناحية جنوب فرنسا

هكذا … أهم جنرال أمريكي تقريبًا في أهم لحظات الحرب.. وحادث لا يستحق هذه الضوضاء، لكن القيادة الأمريكية لم تغفر له أنه استعمل القسوة مع جندي جريح. هو يرى أن الجندي (بيستهبل)، لكن من هو كي يحدد ؟.. الأطباء رأوا أن الجندي يستحق دخول المستشفي العسكري، فلا دور له هو

لماذا تذكرت هذه القصة الآن ؟

لأن هناك جنرالاً من نوع آخر عندنا، زار معهدًا أزهريًا تابعًا لوزارته هو (معهد فتيات أحمد الليبي ) وتصرف بغلظة مماثلة مع طفلة

في الحقيقة لا أثق بمعظم ما يكتب من أخبار هذه الأيام، لكن الرجل لم ينكر القصة أو يقل إنها ملفقة، لهذا سأفترض أنها حدثت فعلاً كما كتبت عنها الصحف. بصراحة لست مؤهلاً لإبداء الرأي في فرضية النقاب ولا أملك الخبرة الشرعية الكافية للحكم، وإن كنت أرتاح لرأي الشيخ الغزالي الذي يقول إن الإسلام يأمر بغض البصر .. فلماذا نغض البصر إذا كانت كل النسوة منتقبات ؟. المشكلة التي تدعوك للابتسام هي أن أعداء النقاب يعتبرونه سبب كل مشاكلنا، وأنصار النقاب يعتبرونه السبيل الأكيد لرفعتنا وعودة أمجاد العروبة. أحيانًا أشعر أن شيوع النقاب رد فعل هو نوع من التحدي للاتجاه الحكومي الرسمي، ونوع من ممارسة الحرية الشخصية. أي أن سبب شعبية النقاب هو الحرب التي يشنونها علي النقاب، أضف لهذا تراجع دور الأزهر وضعفه، مما جعل الناس غير واثقة فيه .. تشعر أن كل رأي هو مؤامرة تخطط في البنتاجون. إنها تضع ثقتها أكثر في ذلك الداعية السلفي الذي تراه في الفضائيات، فهو علي الأقل ليس موظفًا في الحكومة المصرية

لا أعلق علي موضوع النقاب هنا، ولكن أعلق علي سلوك شيخ الأزهر الذي روع طفلة بريئة وذكر أهلها بعبارة لا ترضيهم، وأخبرها بمعلومة طريفة هي أنها قبيحة، واعتبر نفسه أعلم من الجميع

يقول الصحفيون إن شيخ الأزهر يكون أقرب للصرامة والخشونة في التعامل معهم ومع من تحت يديه. لن أندهش لهذه المعلومة إذا تذكرنا تعامله مع التلميذة التي بالتأكيد انسحقت تمامًا، بينما الرجل بكل هيبته ومركزه والهيلمان من حوله يلومها ويرغمها علي نزع نقابها. قارن هذا الموقف بلطفه الزائد مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز أثناء مؤتمر حوار الأديان والحضارات والذي عقد في نيويورك في شهر نوفمبر الماضي، حيث كانت سماحته لا تصدق. قارن كذلك منظره وهو يرفع يديه للسماء مبتهلاً بحركة درامية عندما أصيب الرئيس مبارك بتوعك في اجتماع عام وانسحب لدقائق. ظل شيخ الأزهر يرفع يديه للسماء عالمًا أن الكاميرات تصور وأن هناك من سيرى هذا كله فيما بعد. الأجمل أنه تعامل كأن دعاءه له خاصية علاجية أكيدة بحكم منصبه. كان البابا شنودة، يجلس جواره، لكنه أذكي من أن يتورط في مشهد تمثيلي كهذا، لذا اكتفي بأن يطرق برأسه في وقار، والحقيقة أنني احترمته جدًا لهذا الموقف الخالي من المداهنة. حسناً .. الشيخ سمح .. فلماذا لم يحتفظ ببعض هذه السماحة للطفلة تعسة الحظ ؟.. وما دخل أهلها المحترمين في القصة ؟... ولماذا تعود الفتاة لبيتها تقول لنفسها: أنا قبيحة .. فضيلة شيخ الأزهر قال إنني قبيحة. ولماذا لم يكتف بتوبيخ المسئولين عن المدرسة والمسئولين في الإدارة التعليمية؟ . في تقديري الخاص أنه كان يستطيع فرض وجهة نظره بشكل أقل صدمة واستفزازًا ودرامية

تصرف كهذا - كتصرف باتون - لابد أن يفجر الكثير من الألغام التي لا قبل لأحد بها، ونحن منذ أعوام لا نرى أية مظاهرة عارمة أو غضبة ساخنة إلا بسبب الحجاب والنقاب. كان هناك عميد شهير لكلية طب قصر العيني، كلما أرادوا خروج مظاهرة ضده أعلنوا أنه انتزع النقاب من علي وجه طالبة، فكان الطلبة ينظمون مظاهرة هائلة غاضبة خلال عشر دقائق. هكذا انتزع الرجل حسب قصصهم النقاب عن وجه ألف طالبة تقريبًا. علي الفور يتلقي النائب حمدي حسن عضو كتلة الإخوان بمجلس الشعب الشعلة، ويطالب بعزل شيخ الأزهر. ويقول إن الشيخ طنطاوي أصبح يسيء إلي الحكومة وللمؤسسة الدينية التي ينتمي إليها. وتساءل : «بأي حق سيصدر شيخ الأزهر قرارا بمنع المنتقبات سواء كن معلمات أو طالبات من دخول المعاهد الأزهرية؟»، مبينًا أن فضيلته نسي أنه يزور معهدا دينيًا ولابد أن يجد فيه عددًا كبيرًا من المنتقبات، فإذا أراد أن يزور معهدًا بلا منتقبات ولا محجبات فعليه أن يزور معهدًا للرقص الشرقي وحينها لن يجد منتقبة واحدة

كل من يبحث علي شبكة الإنترنت يكتشف أن الغضبة عارمة، وأن الرجل صار عدوًا لقطاع كبير من المصريين والعرب. الحقيقة أن الشيخ طنطاوي أراد أن يظهر أنه لا يخشي في الحق لومة لائم، لكنه بهذا داس علي القدم المتقرحة لعدد كبير من الناس، وقدم لخصومه السيف الذي يضربونه به. وفي رأيي أنه أساء للنظام؛ لأن الناس - للأسف - لا تصدق أن هذا القرار مستقل. هذا الجزء حساس ولا يحتمل الخطأ أو سوء التقدير، فعلي من يتعامل معه أن يكون حذرًا. لقد تعامل أيزنهاور بحزم مع أعظم جنرال أمريكي، لأنه جرح نفسية جندي، فماذا عن عالم أزهري جرح نفسية طفلة، وأحدث أذي كبيرًا في علاقة الناس بالحكومة، وهي علاقة سيئة أصلاً ؟