قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Tuesday, October 13, 2009

امرح مع إنفلونزا الخنازير - 3



======================================


انتظرت في شغف البرنامج الذي يقدمه الإعلامي (أحمد منصور) علي قناة الجزيرة، بعد ما عرفت أنهم سيلتقون مع خبير أمريكي في الأمراض المعدية اسمه (ليونارد هوروفيتز) للكلام عن إنفلونزا الخنازير. هذا رجل خواجة وبالتأكيد كلامه صح. خلال خمس دقائق كان الرجل قد ألقي قنابله كلها حتي ملأ الدخان شقتي: إنفلونزا الخنازير فيروس مُصنّع بالكامل كما سبق تصنيع الإيدز والإيبولا.. منظمة الصحة العالمية تقع بالكامل تحت سيطرة المؤسسات المالية الكبري وتأتمر بأمرها.. اللقاح قاتل وهو الذي سبب متلازمة حرب الخليج وأنا آمركم بألا تأخذوه.. بعض الليمون يقضي علي الفيروس بلا شك.. ثم هو شهيد أيضًا لا أبالي حتي لو قتلوني

قال الرجل باختصار كل ما يقال في الخطابات البريدية التي يصلني عشرون منها كل يوم، مع الأسئلة ذاتها المحيرة: متي عرفوا كل هذا عن آثار اللقاح الجانبية ؟... كيف يسهر العلماء الأشرار في مختبرات الحرب البيولوجية لصنع فيروس رهيب يدمر البشرية، ثم يقضي عليه الليمون؟.. ما داموا قادرين علي صنع الإيبولا فلماذا لم يكرروا هذا ؟.. أكره جدًا العبارات التي تناقض نفسها في نهاياتها

ظللت أستمع في احترام.. بدأ الاحترام يتحول لعدم ارتياح.. عدم الارتياح تحول إلي شك صريح.. الشك تحول إلي سخرية.. هذا الرجل آت من عالم الحكومات الخفية وأحجار علي رقعة الشطرنج ومنظمة النورانية وملفات إكس والمسيخ الدجال الذي أسقط برجي مانهاتن وظهرت صورته في الدخان.. لا شك في هذا.. هذه مواضيع شيقة جدًا، وأنا شخصيًا أستعملها في قصصي كثيرًا، لكن يجب أن يكون هناك فارق بين الخيال القصصي وبين كلام علمي مسئول يذاع علي الملأ

لكن كيف ؟..

بحثت عن الرجل علي شبكة الإنترنت، فعرفت أنه شهير جدًا هناك.. شهير بنظرية المؤامرة وله كتب كثيرة عنها، وقد زعم أنه اكتشف علاج مرض السارس وأثبتت الـ
FDA
 أنه كذاب، واكتشف علاج سرطان الجلد بالملينات كذلك !. إنه يهودي وطبيب أسنان سابق لا علاقة له بالمختبرات ولا الهندسة الوراثية ولا البيولوجيا الجزيئية، ولم ينشر ورقة علمية واحدة خارج طب الأسنان. برغم هذا هو يدلي بثقة برأيه في كل شيء، وعرف ما لم يعرفه كل علماء الأرض. تقول موسوعة ويكيبديا إن الرجل تخصص في سيناريوهات نهاية العالم وفي اتهام الحكومة الأمريكية بالتآمر الطبي. في كتبه يعتبر أن شركتي جلاكسو سميث كلاين ونوفارتس تابعتان للحكومة الأمريكية مهمتهما القضاء علي نصف البشرية، وهو ضد اللقاحات بشكل عام، حتي توفي صبي أمريكي لأن أبويه لم يعطياه لقاح السعال الديكي لأنهما مؤمنان بالطب الطبيعي الذي يدعو له هوروفيتز! . أنشأ في هاواي منتجعًا للمياه المعدنية قامت الحكومة بإغلاقه لأنه مخالف للشروط الصحية. نظرياته تدور غالبًا حول محاولة البيض للقضاء علي السود؛ لهذا نال حظوة هائلة لدي جماعة (أمة الإسلام) الأمريكية. والأهم أنه يعتبر نفسه مسيحًا يهوديًا جديدًا. باختصار: الرجل مجنون كقملة، ويحتاج للعلاج، فلماذا تفرضه علينا ساعة كاملة يا عم أحمد يا منصور وتخبرنا أن ما يقوله هو الحقائق؟ أنت تحضّر الدرس جيدًا ولا يمكن أن تكون جاهلاً أبدًا، بالتالي أنت تعرف حقيقته فلماذا لم تخبرنا بباقي التفاصيل ؟.. ولماذا تستضيف طبيب أسنان أمريكيًا ولم تستضف خبيرًا من هيئة
CDC
 أو منظمة الصحة العالمية؟ رجلاً يعرف ما يتكلم عنه ؟

أعتقد أنني أعرف الإجابة . الإجابة هي أن نظرية المؤامرة مغرية جدًا وتعد بحلقة ممتعة، وتناسب ما يريد الناس سماعه: إنهم يحاولون خداعنا لكننا لن نُخدع. الجميع يريدون سماع أن هناك مؤامرة قذرة ولسوف تخيب أملهم لو قلت إن اللقاح آمن ويجب تعاطيه. جزء كبير من هذا يعود لرغبة أحمد منصور شخصيًا في أن يكشف عن مؤامرة

أذكر حلقة أحمد منصور القديمة التي استضاف فيها عالمًا سوريًا هو أحد خبراء منظمة الصحة العالمية المهمين، للكلام عن إنفلونزا الطيور، وكانت مهمة الضيف محددة سلفًا: أن يتهم الحكومة المصرية بالتقصير وأن يؤكد أن إنفلونزا الطيور إشاعة مختلقة لمصلحة كبار المستوردين، لكن الضيف كان يري بعناد أن الحكومة المصرية تصرفت بحكمة - في هذا الموضوع بالذات وربما فيه فقط - وفي النهاية تحت الإلحاح قال لأحمد منصور: أنت لا تريد الحقيقة يا أحمد.. بل تريد من يهاجم الحكومة. احتد منصور ورد في عصبية بأنه لا يسمح له بذلك، وانتهت الحلقة قبل موعدها بربع ساعة كاملة

لم تتوخ قناة الجزيرة الدقة في اختيار ضيفها هذه المرة؛ فهو مجرد مشعوذ مثل الذين يملأون الفضائيات ويتحدثون عن البردقوش.. فقط هو يتكلم بالإنجليزية، وبالتالي لم تكن أمينة في الرسالة التي تصل للناس. والسؤال هنا: هل يتحمل ضميرهم ذنب من لن يتلقي اللقاح بكامل إرادته، وقد يتعرض للموت ؟.. هل تتحمل ضمائرهم مسئولية انتشار المرض وفتكه بالملايين مثل وباء 1918؟ وماذا عن حملة التحذير البريدي الجشعة؟. هل هي مجرد صدفة ؟.. يخيل لي أحيانًا أن هناك مؤامرة لكن بالعكس، بمعني تقليل سكان الكرة الأرضية ليس عن طريق تعاطي اللقاح، بل عن طريق عدم تعاطيه. وهي حملة ناجحة جدًا.. أشك في أن يتعاطي أي عربي اللقاح بكامل إرادته اليوم، وليس سرًا أن من ينوون الحج يفتشون الآن عن جهة تعطيهم شهادة مزورة تثبت أنهم أخذوا اللقاح

كما قلنا في المقال السابق، يتركز الخوف الرئيس من اللقاح حول احتوائه مادة السكوالين كمساعد للقاح
Adjuvant
حقن السكوالين الخارجي كما يؤكدون سوف يدفع الجسم لتكوين أجسام مضادة ضد السكوالين الداخلي، وهذا يؤدي لسلسلة أمراض كلها لن تظهر قبل سنة، فلا تقل إن جاري لم يصب بسوء بعد أخذ اللقاح منذ شهر. يتهمون السكوالين بأنه سبب متلازمة حرب الخليج لدي من تلقوا لقاح الأنثراكس، برغم أن الـ
CDC
 أثبتت أن اللقاح خال منه. أما عن مرض (جيان باريه) فلم يكن ظاهرة في لقاحات السبعينيات.. مجرد تفاعل حساسية وارد جدًا.. تذكر أن قرص الأسبيرين قد يكون قاتلاً مع مرضي معينين

عامة هناك حملة من الرفض المجنون للقاحات الإجبارية عند الأمريكيين غير الأطباء، باعتبارها تقحم أشياء صناعية علي الجهاز المناعي، وتعتدي علي حريتك في الاختيار . يقولون إن الأمراض التي يتلقي الطفل اللقاح ضدها صارت نادرة أصلاً، وهو تفكير شديد الغباء.. لقد صارت نادرة بسبب اللقاح طبعًا يا حمقي، ويكفي أن يتوقف الناس عن استعمال لقاح شلل الأطفال لبضعة أعوام ويروا النتيجة

يري بعض أصحاب نظرية المؤامرة أن القصة كلها قصة خيال علمي سخيفة، والحقيقة أن قصتهم أسخف عندما يفترضون خلق وباء بهدف تلقيح البشرية بلقاح قاتل.. ألا تشعر بأنها من حبكات (الملفات إكس ) و(روبين كوك) ؟

ها هي ذي الـ
CDC
 تؤكد من جديد أن إنفلونزا الخنازير مرض خطير وقد يكون قاتلاً، وتعلن أن اللقاح الذي يؤخذ بالأنف صار متوافرًا ولسوف يبدأ طرح اللقاح الذي يحقن، وكل تجارب اللقاح أثبتت أنه آمن تمامًا، ويتوقعون أن ينتجوا 20 مليون جرعة كل أسبوع قرب نهاية العام. برغم هذا نحو 30- 50% من المرضي والآباء هناك قلقون وقد يمتنعون عن إعطاء اللقاح. المركز يؤكد أن لقاح الإنفلونزا مركب بذات المكونات التي ركب منها اللقاح القديم الموسمي الذي يتزاحم الناس علي أخذه في المكاتب الصحية. نفس المكونات ونفس الصانع فما الذي استجد كخطر؟

عن نفسي سوف آخذ اللقاح لو عُرض علي، وأعطيه لأولادي، وأشكر الله علي أنني لست من البؤساء الذين أصيبوا بالإنفلونزا عام 1918 قبل أن يبلغ العلم هذه الدرجة من التقدم، وأحمده علي نعمة العقل البشري التي لولاها لهلك نصفنا مع أول التهاب لوزتين أو إصابة بالجديري في طفولتنا. فإذا مت خلال عام فلأن عمري كده وليس لأن كل قوى الشر ومنظمة الصحة العالمية تحالفوا لخداعي