قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Friday, October 2, 2009

امرح مع إنفلونزا الخنازير - 1


وما زلنا مع إنفلونزا الخنازير موضوع الساعة وكل الساعة .. يصر وزير التعليم علي عدم تأجيل الدراسة أكثر، وهو يضع ثقة كبيرة جدًا في الأربعين مليون جنيه التي سيدعم بها الصحة المدرسية، ويعلق ملصقات تذكرنا بملصقات الاتحاد الاشتراكي القديمة: هناك رجل يخرج بالونا عملاقا من فمه ورجل آخر يسد أذنيه مع عبارة (الإشاعات تدمر المجتمع) ... الخ ... فقط سوف يرسم الفنان كل هؤلاء يعطسون. ينوي الوزير كذلك أن يعطي الأولاد جرعة تعليمية مكثفة قبل أن يعم الوباء في الشتاء. ويؤكد: « ليس من حق أولياء الأمور المطالبة بمصاريف أولادهم التي دفعوها في المدارس الخاصة بالذات، بسبب الخوف من تفشي المرض». تم تأجيل الدراسة أسبوعًا لإعطاء الفرصة للحالات التي ستظهر لدي عودة المعتمرين، وهم يرون أن هذا وقت كاف، ورأيي المتواضع أنه غير كاف علي الإطلاق وأعتقد أن الأهالي سوف يحجمون عن إرسال أطفالهم للمدارس سواء أرادت الوزارة أو لم ترد

من جهته أظهر الشيخ (علي جمعة) مفتي الجمهورية شجاعة واستنارة لا شك فيهما عندما قال: « لو انتشر فيروس (إنفلونزا الخنازير) بصورة كبيرة يتم وقف الحج فوراً، ويكون حراماً علي أي فرد الدخول أو الخروج من البلاد الموبوءة بالمرض. وأضاف: حدث قبل ذلك أن عطلت مصر موسم الحج 30 مرة علي مدار تاريخها الإسلامي، سواء بسبب انتشار الأوبئة أو لوجود قطاع طرق أو للغلاء. عالمًا بهذا أنه يستفز كل من يتحدثون عن مؤامرة الغرب والدولة لمنع الحج، ولسوف يتهمونه اتهامات جاهزة يحفظونها أفضل مني، لكنه ببساطة قال ما يؤمن بأنه صواب. هذا رجل محترم فعلاً

كالعادة ظهر الداء المصري الوبيل المعروف الذي يدفع المرء لاختيار مصلحته مهما تعارضت مع مصلحة المجتمع، فينتزع مسامير السفينة لبيعها. هذا الداء هو الذي يدفع الناس لتعاطي عقار تاميفلو بشكل فردي في بيوتهم وعلي سبيل الوقاية. برغم سعره الباهظ هناك من اشتراه للاحتياط، وهذا يهدد بأن يفقد فعاليته نهائيًا بعد قليل. تذكر أن عقار أمانتادين الرخيص نسبيًا كان فعالاً ضد إنفلونزا الخنازير حتي قرر الصينيون استخدامه كعقار وقائي في مزارع الدجاج .. لم يطل الأمر حتي صار الفيروس يقاوم هذا العقار، وحذف الأمانتادين من ترسانة الأدوية المضادة لإنفلونزا الطيور للأبد. نرجو أن يظل التاميفلو باهظ الثمن فلا يشتريه الجميع وإلا لقي العقار نهايته علي يد المصريين

بدأت حرب الشائعات والرسائل المتناقلة عبر الإنترنت مبكرًا جدًا، حتي شعرت بدهشة لأن الوباء لم يكن معروفًا لنا قبل مايو الماضي، لكن فجأة صار الجميع عباقرة يعرفون خواصه، ومن الواضح أن هذا الوباء قد جلب الكثير من التسلية للناس .. موضوع (فاروق حسني) قد يشغلهم بعض الوقت، لكنهم بالتأكيد عائدون لإنفلونزا الخنازير. إما أن تصدق أننا في خطر داهم وترتجف ذعرًا وتقطع شرايين معصمك، أو تعتبر هذه كلها مؤامرة مخصصة لزيادة مليارات رامسفيلد وتشيني وتطلق السباب. السؤال هو: من أين يأتون بهذه المعلومات الدقيقة، وكيف يتكلمون بهذه الثقة، بينما المواقع العلمية المحترمة لا تقول إلا أقل القليل ؟. لكن المعلومات المتدفقة لم تتوقف بعد

ما يمكن استنتاجه من خطابات الإنترنت ما يلي

أولا.. الفيروس سهل القتل جدًا وأمره هين بشدة .. كل شيء يقتله سواء كان البصل أو الليمون أو الينسون أو البيكربونات أو العجوة، وهو ليس مشكلة علي الإطلاق حتي أن الدول المتقدمة لا تتعامل معه بهذه الهستيريا وهذا الذعر اللذين نتعامل بهما

ثانيا.. الفيروس خطير جدًا .. سوف يقتل 45% من سكان الكرة الأرضية في الشتاء القادم. كل الدول المتقدمة تدرك حجم المشكلة وتتعامل معها بعقلانية، لكننا لا نفهم

ثالثا.. لا يوجد ضرر من شرب الينسون الدافئ صباحًا للوقاية من إنفلونزا الخنازير، لكن دعني أؤكد لك أنني لم أجد أي موقع علمي محترم يصف هذه الطريقة. جرب البحث في محرك جوجل عن إنفلونزا الخنازير مع الينسون واسمه العلمى
Pimpinella anisum
وقل لي هل يوجد شيء لم أجده أنا ؟.. ما هو موجود يكرر ما ذكره مصدر واحد غير طبي. لكن المواقع العربية تتحدث عن أن المكتشف عالم صيني، بينما المواقع الغربية تؤكد أن العلماء العرب هم من وجدوا هذا !!.. هل يحوي الينسون كمية عالية من حمض الشكميك
shikimic acid
المكون الرئيسي للتاميفلو فعلاً ؟.. وهل الينسون الذي نشربه هو نبات
Star anise
الصيني ذاته ؟... لاحظ أن سبب ارتفاع ثمن عقار تاميفلو هو ندرة هذا النبات الذي لا يزرع إلا في أربع محافظات صينية، فهل الحل بهذه البساطة ؟.. علي الأرجح هي تخريفة كبيرة، لكن لا ضرر منها علي الأقل. أنا شخصيًا سأنفذ هذه النصيحة مع أولادي قبل ذهابهم لميدان الحرب البيولوجية الذي سيرسلونهم له في 3 أكتوبر، لأنها تحوي منطقًا علميًا حتي لو كان واهيًا

رابعا.. رسالة أخرى منسوبة لطبيب مهم - مصري في بعض الرسائل وسعودي في بعضها - تؤكد أن الوقاية من إنفلونزا الخنازير سهلة باستعمال ملعقة صغيرة من مادة بيكربونات الصوديوم المذابة في الماء قبل الخروج إلي الأماكن المزدحمة، إذ تساعد هذه المادة في ارتفاع قلوية الدم وبذلك يصبح وسطاً غير مناسب لتكاثر فيروسات الأنفلونزا . ويجري تجربة مبهرة جدًا يعرفها أي تلميذ في تالتة ابتدائي حيث يكتشف أن لون عباد الشمس (تبّاع الشمس حسب الخطاب لأن عبادة الشمس حرام) يصفر في الوسط الحمضي. ألعاب الحواة الساذجة هذه تبهر كاتب المقال جدًا .. ويكتشف أن علينا التقليل من تناول الأغذية التي تؤدي إلي زيادة حموضة الدم مثل اللحوم الحمراء والدواجن ومنتجات الألبان والسكر والشاي الأحمر والقهوة واستبدال قهوة الشعير بالقهوة، والشاي الأخضر بالأحمر. كل نصيحة تتضمن الابتعاد عن الشاي والقهوة واللحوم الحمراء تبدو صحيحة محببة للأذن مهما كانت قيمتها. لكن أي طبيب يعرف أن الرقم الهيدروجيني للدم ثابت وأن ارتفاعه ليصل للقلوية يقترب بالمرء من الموت، والجسم يعادل تغيرات الرقم الهيدروجيني بكفاءة بالغة بحيث لن تؤثر ملعقة بيكربونات أبدًا. كل ما سيحدث هو أن المرء سيشعر براحة لو كان يعاني حموضة بالمعدة. ثم متي جربوا هذا كله ؟.. هل سمعت عن طبيب مصري تعاطي البيكربونات ثم راح يتنفس الهواء الذي يتنفسه مرضي إنفلونزا الخنازير ليري هل يقاوم المرض أم لا ؟.. كما تري هو نوع من طب المصاطب الذي لا يستند إلي أي شيء، وهو فرع الطب الذي شرفنا بإضافته للعلم، وبرغم أنني طبيب فإنني أعترف بخجل أن هناك مجانين في هذه المهنة. ليسوا أكثر من سواهم في مهن أخري، لكن المخيف أنهم يبدون مقنعين للعامة

خامسا.. اللقاح خطر داهم .. هذه نقطة يجب التوقف عندها. بالطبع لم تجر علي اللقاح تجارب كافية بسبب ضيق الوقت، ولهذا كان علي الشركات المنتجة له أن تؤمن نفسها حتي لا تفلسها التعويضات، والسبب هو أن لقاحًا سابقًا سبّب مرض (جيان باريه) في الغرب عام 1976. هذا مرض مناعي يؤدي لتدمير الأعصاب الطرفية كنوع من الحساسية لفيروس أو بروتين دخيل. لهذا تطلب الشركات إقرارات بإخلاء مسئوليتها من أي آثار جانبية للقاح، وهو نفس ما فعلته وزارة الصحة مع الحجاج

هناك عشرون خطابًا وصلتني بصدد التحذير من اللقاح هذا، ومن الواضح أن النية انعقدت علي ألا يأخذه أحد .. لكن الموضوع طويل ويستاهل مقالاً آخر، فإلي الأسبوع المقبل إن شاء الله لو لنا عمر